لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) (٢٩)
قوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) [الآية : ٢٣] اعلم أنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان في غاية الجمال ، فلما رأته المرأة ؛ طمعت فيه.
«وراودته» ، أي : طالبته برفق ولين قول ، والمراودة : المصدر ، والرّيادة : طلب النّكاح ، يقال : راود فلان جاريته عن نفسها ، وراودته عن نفسه ، إذا حاول كلّ واحد منها الوطء ، ومشى رويدا ، أي : برفق في مشيته (١) ، والرّود : الرّفق في الأمور ، والتّأنّي فيها ، وراودت المرأة في مشيها ترود رودانا من ذلك.
والمرودة هذه الآلة منه ، والإرادة منقولة من راد يرود إذا سعى في طلب حاجة ، وتقدّم ذلك في البقرة [٢٦].
وتعدى هنا ب «عن» ؛ لأنه ضمن معنى خادعته ، أي : خادعته عن نفسه ، والمفاعلة هنا من الواحد ، نحو : داويت المريض ، ويحتمل أن تكون على بابها ، فإنّ كلّا منهما كان يطلب من صاحبه شيئا برفق ، هي تطلب منه الفعل ، وهو يطلب منها التّرك.
والتشديد في «غلّقت» للتكثير لتعدّد المحالّ ، أي : أغلقت الأبواب وكانت سبعة.
قال الواحدي (٢) : «وأصل هذا من قولهم في كلّ فعل تشبث في شيء فلزمه قد غلق ، يقال : غلق في الباطل ، وغلق في غضبه ، ومنه غلق الرهن ثم يعدى بالألف ، فيقال : أغلق الباب إذا جعله بحيث يعسر فتحه ، والسبب في تغليق الأبواب أنّ [هذا الفعل](٣) لا يؤتى به إلّا في المواضع المستورة لا سيّما إذا كان حراما ، ومع الخوف الشديد».
قوله : «هيت لك» اختلف أهل النّحو في هذه اللفظة ، هل هي عربية أم معربة؟.
__________________
(١) في ب : مشيه.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٧ / ٩٠.
(٣) في أ : ذلك العمل.