واعلم أنّ القراءة التي استشكلها الفارسي هي المشهورة عن هشام ، وأمّا ضمّ التاء فغير مشهور عنه.
ثمّ إنّه ـ تعالى ـ أخبر أنّ المرأة لما ذكرت هذا الكلام ، قال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ «معاذ الله إنّه ربّي أحسن مثواي» «معاذ الله» منصوب على المصدر بفعل محذوف ، أي : أعوذ بالله معاذا ، يقال : عاذ يعوذ عياذا [وعياذة](١) ، ومعاذا ، وعوذا ؛ قال : [الطويل]
٣٠٧٥ ـ معاذ الإله أن تكون كظبية |
|
ولا دمية ولا عقيلة ربرب (٢) |
قوله «إنّه» يجوز أن تكون الهاء ضمير الشّأن ، وما بعده جملة خبرية له ، ومراده بربه : سيّده ، ويحتمل أن تكون الهاء ضمير الباري تعالى ، و «ربّي» يحتمل أن يكون خبرها ، و «أحسن» جملة حالية لازمة ، وأن تكون مبتدأ ، «أحسن» جملة خبرية له ، والجملة خبر ل «إنّ» وقرأ الجحدريّ (٣) ، وأبو الطفيل الغنوي «مثويّ» بقلب الألف ياء ، وإدغامها ك «بشريّ» و «هديّ».
و : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) هذه الهاء ضمير الشّأن ليس إلّا ؛ «فعلى قولنا : إنّ الضمير في قوله : (إِنَّهُ رَبِّي) يعود إلى زوجها قطفير ، أي : إنه ربّي سيّدي ، ومالكي أحسن مثواي حين قال لها : (أَكْرِمِي مَثْواهُ) ، فلا يليق بالعقل أن أجازيه على ذلك الإحسان بهذه الخيانة القبيحة وقيل : إنها راجعة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ أي : أنّ الله ربي أحسن مثواي ، أي : تولّاني ، ومن بلاء الجبّ عافاني : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يعني : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعد ما أكرم مثواي ، فأنا ظالم ، ولا يفلح الظالمون.
وقيل : أراد الزناة ؛ لأنهم ظالمون لأنفسهم ؛ لأنّ عملهم يقتضي وضع الشيء في غير موضعه.
فصل
ذكر ابن الخطيب هاهنا سؤالات :
الأول : أن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان حرا ، وما كان عبدا ، فقوله : (إِنَّهُ رَبِّي) يكون كذبا ، وذلك ذنب وكبيرة.
والجواب : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أجرى هذا الكلام بحسب الظاهر على وفق ما كانوا يعتقدون فيه من كونه عبدا.
وأيضا : إنّه ربه ، وأنعم عليه بالوجوه الكثيرة ، فعنى بقوله : (إِنَّهُ رَبِّي) كونه مربيا
__________________
(١) في ب : ومعاذة.
(٢) تقدم برقم ٢٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٥٩٤ ، والدر المصون ٤ / ١٦٨.