٣٣٤٣ ـ إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
........... (١) |
فصل
ذهب ابن مسعود ، وابن عمر ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد إلى أن السّكر الخمر ، والرزق الحسن الخلّ والربّ والتّمر والزّبيب (٢).
قالوا : وهذا قبل تحريم الخمر ؛ لأن هذه السورة مكية ، وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة.
قال بعضهم : ولا حاجة إلى التزام النّسخ ؛ لأنه ـ تعالى ـ ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع ، وخاطب المشركين بها ؛ لأنها من أشربتهم ، فهي منفعة في حقّهم.
ثم إنه ـ تعالى ـ نبّه في هذه الآية أيضا على تحريمها ؛ لأنه ميّز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر ، فوجب أنّ السّكر لا يكون رزقا حسنا ؛ وهو حسن بحسب الشّهوة ، فوجب أن يقال : بأن الرجوع عن كونه حسنا بحسب الشّريعة ، وإنّما يكون كذلك إذا كانت محرّمة.
ثم إنه ـ تعالى ـ لمّا ذكر هذه الوجوه الّتي هي دلائل على التّوحيد من وجه ، وتعديد للنّعم العظيمة من وجه آخر ـ قال ـ جل ذكره ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي : من كان عاقلا ، علم بالضرورة أن هذه الأحوال لا يقدر عليها إلا الله ـ تعالى ـ ، فيحتجّ بأصولها على وجود الإله القادر الحكيم.
قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩) وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٧٤)
قوله ـ تعالى ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) الآية لما بيّن أن إخراج الألبان من النّعم ، وإخراج السّكر من ثمرات النّخيل والأعناب دلائل قاهرة على أنّ لهذا العالم إلها قادرا
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : تفسير البغوي (٣ / ٧٥).