قال القرطبي (١) : الإلهام هو ما يخلقه الله ـ تعالى ـ في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٧] ومن ذلك البهائم وما يخلقه الله فيها من إدراك منافعها ، واجتناب مضارّها ، وتدبير معاشها ، وقد أخبر الله ـ تعالى ـ عن الأرض فقال : (تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٤ ، ٥].
واعلم أن الوحي قد ورد في حقّ الأنبياء ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الشورى : ٥١] ، وفي حقّ الأولياء ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) [المائدة : ١١١] وبمعنى الإلهام في حقّ بقية البشر ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) [القصص : ٧] وفي حقّ سائر الحيوانات بمعنى خاصّ.
قال الزجاج : يجوز أن يقال : سمّي هذا الحيوان نحلا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ نحل النّاس العسل الذي يخرج من بطونها.
وقال غيره : النّحل يذكّر ويؤنث على قاعدة أسماء الأجناس ، فالتأنيث فيها لغة الحجاز ، ولذلك أنثها الله ـ تعالى ـ وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلّا الهاء.
وقرأ ابن وثّاب (٢) : «النّحل» بفتح الحاء ، فيحتمل أن يكون لغة مستقلة ، وأن يكون إتباعا.
قوله (أَنِ اتَّخِذِي) يجوز أن تكون مفسّرة ، وأن تكون مصدريّة.
واستشكل بعضهم كونها مفسّرة ، قال : لأنّ الوحي هنا ليس فيه معنى القول ؛ إذ هو الإلهام لاقول فيه.
وفيه نظر ؛ لأن القول لكل شيء بحسبه.
و (مِنَ الْجِبالِ) «من» فيه للتبعيض ؛ إذ لا يتهيّأ لها ذلك في كل جبل ولا شجر ، وتقدّم القول في «يعرشون» ومن قرأ بالكسر والضم في الأعراف.
والمراد ب (مِمَّا يَعْرِشُونَ) ما يبنون لها من الأماكن التي تأوي إليها ، وقرىء (٣) : «بيوتا» بكسر الباء.
فصل
اعلم أن النّحل نوعان :
أحدهما : ما يسكن الجبال والغياض ولا يتعهّدها أحد من النّاس.
والثاني : ما يسكن البيوت ويتعهّدها الناس ، فالأول هو المراد بقوله عزوجل : (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ).
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٨٨.
(٢) ينظر : القرطبي ١٠ / ٨٨ والبحر ٥ / ٤٩٦ ، والدر المصون ٤ / ٣٤٦.
(٣) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٨٦.