قوله : (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) الرّاجح أن يكون مرفوعا ؛ عطفا على الضمير المرفوع في «يستوي» ، وسوّغه الفصل بالضمير ، والنصب على المعيّة مرجوح ، والجملة من قوله : (وَهُوَ عَلى صِراطٍ) إمّا استئناف أو حال.
فصل
لمّا وصف الله أحد الرّجلين بهذه الصّفات الأربع ، وهذه صفات الأصنام وهو أنّه أبكم لا يقدر على شيء ، أي : عاجز كلّ على مولاه ، ثقيل ، أينما يرسله لايأت بخير ؛ لأن أبكم لا يفهم ، قال : هل يستوي هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع ، وهذه صفات الأصنام لا تسمع ولا تعقل ولا تنطق ، وهو كلّ على عابده يحتاج إلى أن يحمله ويخدمه ويضعه ، (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) يعني : الله قادر متكلّم يأمر بالتّوحيد ، (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
قال الكلبي : يدلكم على صراط مستقيم.
وقيل : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : كلا المثلين للمؤمن والكافر ، يرويه عطيّة عن ابن عباس رضي الله عنه.
قال عطاء : الأبكم : أبيّ بن خلف ، (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) : حمزة ، وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون ـ رضي الله عنهم (١) ـ.
وقال مقاتل : نزلت في هاشم بن عمرو بن الحارث بن ربيعة القرشي ، وكان قليل الخير ، يعادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقيل : نزلت في عثمان بن عفّان ومولاه ، كان مولاه يكره الإسلام (٣).
وقيل : المراد كل عبد موصوف بهذه الصفات الذّميمة ، وكل حرّ موصوف بتلك الصفات الحميدة ، وهذا أولى من القول الأول ؛ لأن وصفه ـ تعالى ـ إياهما بكونهما رجلين يمنع من حمل ذلك على الوثن ، وكذلك وصف الآخر بأنه على صراط مستقيم يمنع من حمله على الله ـ تعالى ـ
قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية لما مثّل الكافر بالأبكم العاجز ، ومثّل نفسه بالذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، ومعلوم أنه لا يكون آمرا بالعدل وهو على صراط مستقيم إلّا إذا كان كاملا في العلم والقدرة فذكر في هذه الآية بيان كونه كاملا في العلم والقدرة.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧٨).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) هو مروي عن ابن عباس ذكره الماوردي في «تفسيره» (٣ / ٢٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦) وعزاه إلى ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري في «تاريخه» وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس.