«أمّهاتكم» : إمّاتكم ، إلا أنه زيدت الهاء فيه كما زيدت في «أراق» فقيل : أهراق ، وشدّت زيادتها في الواحدة في قوله : [الرجز]
٣٣٥٠ ـ أمّهتي خندف والياس أبي (١)
والجملة من قوله : (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) حال من مفعول «أخرجكم» غير عالمين و«شيئا» إمّا مصدر ، شيئا ، من العلم ، وإمّا مفعول به والعلم هنا العرفان ، وتقدّم الكلام في «أمّهاتكم» في النّساء.
فصل
خلق الإنسان في مبدأ الفطرة خاليا عن معرفة الأشياء.
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) والمعنى : أن النّفس الإنسانية كانت في أول الخلقة خالية عن المعارف والعلوم ثم إن الله تعالى أعطاها هذه الحواس ؛ لتستفيد بها المعارف والعلوم ، وتحقيق الكلام فيه أن يقال : التّصوّرات والتّصديقات إمّا أن تكون كسبيّة أو بديهيّة ؛ والكسبيّة لا يمكن حصولها إلا بواسطة تركيبات البديهيّات ، فلا بد من سبق العلوم البديهيّة.
فإن قيل : هذه العلوم البديهيّة إمّا أن يقال : كانت حاصلة منذ خلقنا ، أو ما كانت حاصلة ؛ والأول باطل ؛ لأنا بالضرورة نعلم أنّا حين كنّا جنينا في رحم الأمّ ما كنّا نعرف أن النّفي والإثبات لا يجتمعان ، وما كنّا نعرف أن الكلّ أعظم من الجزء.
وأما القسم الثاني : فإنه يقتضي أن هذه العلوم البديهية حصلت في نفوسنا بعد أنّها ما كانت حاصلة ، وحينئذ لا يمكن حصولها إلا بكسب وطلب ، وكلّ ما كان كسبا فهو مسبوق بعلوم أخرى إلى غير نهاية ، وذلك محال.
فالجواب : أن هذه العلوم البديهيّة ما كانت حاصلة في نفوسنا أولا ، ثم إنها حدثت ، وحصلت ، أما قوله : فيلزم أن تكون كسبية ، فهذه المقدمة ممنوعة ، بل نقول : إنها إنما حدثت في نفوسنا بعد عدمها ، بواسطة إعانة الحواسّ التي هي السّمع والبصر ، فإن النفس كانت في مبدأ الخلقة خالية عن جميع العلوم ، إلا أنّه تعالى خلق السمع والبصر فإذا أبصر الطفل شيئا أو سمعه مرة بعد أخرى ، ارتسم في خياله ماهيّة ذلك المبصر والمسموع ؛ وكذلك القول في سائر الحواسّ ، فيصير حصول الحواسّ سببا لحضور ماهيّات المحسوسات في النّفس والعقل.
__________________
(١) البيت لقصي بن كلاب وتمامه : عند تناديهم بهال وهبي. ينظر : جمهرة اللغة ٣ / ٢٦٧ ، شواهد العيني ٤ / ٥٦٥ ، الخزانة ٣ / ٣٠٦ ، اللسان (أمم) ، الأمالي ٢ / ٣٠١ ، المحتسب ٢ / ٢٢٤ ، الممتع ١ / ٢١٧ ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٥٦٤ ، الرازي ٢٠ / ٩١ ، شرح شواهد الشافية ٣٠١ ، التصريح ٢ / ٣٦٢ ، الهمع ١ / ٢٣ ، الدرر ١ / ٥.