أنهم ما أفردوه ـ تعالى ـ بالشّكر والعبادة ، بل شكروا غيره وقالوا : إنما حصلت هذه النعمة بشفاعة الأصنام.
وقيل : المراد بالنّعمة هنا : نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم عرفوا أنّها حق ثمّ أنكروها ، ونبوته نعمة عظيمة ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧].
وقيل : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) ، أي : لا يستعملونها في طلب رضوان الله ، ثم قال جل ذكره : (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ).
فإن قيل : ما معنى قوله : (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) مع أنّهم كلهم كافرون؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : إنما قال ـ عزوجل ـ (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) ؛ لأنه كان فيهم من لم تقم عليه الحجّة ؛ كالصّبي وناقص العقل ، فأراد بالأكثر ؛ البالغين الأصحاء.
والثاني : أن المراد بالكافر : الجاحد المعاند ، فقال : «وأكثرهم» ؛ لأنه كان فيهم من لم يكن معاندا ، بل جاهلا بصدق الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ولم يظهر له كونه نبيّا حقّا من عند الله.
الثالث : ذكر الأكثر وأراد الجميع ؛ لأن أكثر الشيء ، يقوم مقام الكل ؛ كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [لقمان : ٢٥].
قوله تعالى :(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ)(٨٨)
قوله : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) الآية لما بيّن أنهم عرفوا نعمة الله ثمّ أنكروها ، وذكر أن أكثرهم كافرون أتبعه بذكر الوعيد ؛ فذكر حال يوم القيامة.
قوله : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ) فيه أوجه :
أحدها : منصوب بإضمار «اذكر».
الثاني : بإضمار «خوفهم».
الثالث : تقديره : ويوم نبعث ، وقعوا في أمر عظيم.
الرابع : أنه معطوف على ظرف محذوف ، أي : ينكرونها اليوم ويوم نبعث.
والمراد بأولئك الشهداء : الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ؛ كما قال ـ سبحانه