وليست الهمزة بدلا من واو كما زعم أبو إسحاق ؛ لأن الاستعمالين في المادّتين متساويان ، فليس ادّعاء كون أحدهما أصلا أولى من الآخر ، وتبع مكي الزجاج ـ رحمهماالله تعالى ـ في ذلك ، ثم قال : «ولا يحسن أن يقال : الواو بدل من الهمزة ، كما لا يحسن أن يقال ذلك في «أحد» ، إذ أصله «وحد» فالهمزة بدل من الواو» يعني : أنه لا قائل [بالعكس](١).
وكذلك تبعه في ذلك الزمخشري أيضا ، و«توكيدها» مصدر مضاف لمفعوله ، وأدغم أبو عمرو الدّال في التّاء ، ولا ثاني له في القرآن ، أعني : أنه لم يدغم دال مفتوحة بعد ساكن إلّا في هذا الحرف.
قوله تعالى : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ) الجملة حال : إمّا من فاعل «تنقضوا» ، وإمّا من فاعل المصدر وإن كان محذوفا.
فصل
المعنى : ولا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها فتحنثوا فيها ، و (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) : شهيدا عليكم بالوفاء.
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) قالت الحنفيّة : يمين اللّغو هي يمين الغموس ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) فنهى عن نقض الأيمان فوجب أن يكون كل يمين قابلا للبر والحنث ، ويمين الغموس غير قابلة للبر والحنث ، فوجب ألا يكون من الأيمان.
وقال غيرهم : هي قول الإنسان في معرض حديثه : لا والله ، وبلى والله ؛ لأن قوله ـ تعالى ـ (بَعْدَ تَوْكِيدِها) إنما تقال للفرق بين الأيمان المؤكّدة بالعزم وبالعقد ، وبين غيرها.
واعلم أن قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) عامّ دخله التخصيص ؛ لما تقدّم من قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، فليأت الّذي هو خير وليكفر عن يمينه».
ثم إنه ـ تعالى ـ ضرب مثلا لنقض العهد ، فقال ـ جل ذكره ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) ، أي : من بعد إبرامه وإحكامه.
قال الكلبيّ ومقاتل ـ رحمهماالله تعالى ـ : هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش ، يقال لها : ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم ، وتلقب ب «جعراء» ، وكانت بها وسوسة وكانت اتخذت مغزلا بقدر ذراع ، وصنّارة مثل الأصبع ، وفلكة عظيمة
__________________
(١) في ب : بذلك.