لوحظ في قوله : «لهنّ» معنى لكل واحدة ، ولو جاء مرادا به الجمعيّة أو على الكثير في الوجه الثاني ، لجمع المتّكأ ؛ وعلى هذا يحمل قول الشاعر : [الطويل]
٣٣٥٩ ـ فإنّي رأيت الضّامرين متاعهم |
|
يموت ويفنى فارضخي من وعائيا (١) |
أي : رأيت كلّ ضامر ، ولذلك أفرد الضمير في «يموت ويفنى» ، ولمّا كان المعنى : لا يتخذ كل واحد منكم جاء «فتزلّ قدم» مراعاة لهذا المعنى.
ثم قال : (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) مراعاة للمجموع أو للفظ الجمع على الوجه الكثير ، إذا قلنا : إنّ الإسناد لكل فرد فرد ، فتكون الآية قد تعرّضت للنّهي عن اتّخاذ الأيمان دخلا باعتبار المجموع ، وباعتبار كل فرد فرد ، ودلّ على ذلك بإفراد «قدم» وبجمع الضمير في «وتذوقوا».
قال شهاب الدّين (٢) ـ رضي الله عنه ـ : وبهذا التقدير الذي ذكره أبو حيان يفوت المعنى الجزل الذي اقتنصه الزمخشري من تنكير «قدم» وإفرادها ، وأمّا البيت المذكور ، فإن النحويين خرّجوه على أن المعنى : يموت من ثم ومن ذكر ، وأفرد الضمير لذلك لا لما ذكر.
فصل
المعنى : وتذوقوا العذاب بصدّكم عن سبيل الله ، وقيل : معناه : سهّلتم نقض العهد على النّاس بنقضكم العهد ، (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، أي : ذلك السوء الذي تذوقونه (عَذابٌ عَظِيمٌ).
ثم أكّد هذا التّحذير فقال ـ جل ذكره ـ : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي : لا تنقضوا عهودكم تطلبون بنقضها عرضا قليلا من الدنيا ، ولكن أوفوا بها فإنّ ما عند الله من الثّواب لكم على الوفاء (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فضل ما بين العوضين.
ثم ذكر الدّليل القاطع على أنّ ما عند الله خير فقال : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) ، أي الدنيا وما فيها تفنى ، (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) فقوله : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) مبتدأ وخبر ، والنّفاد : الفناء والذهاب ، يقال : «نفد» بكسر العين «ينفد» بفتحها نفادا ونفودا ، وأما نفذ بالذّال المعجمة ففعله نفذ بالفتح ينفذ بالضمّ ، وسيأتي.
ويقال : أنفد القوم إذا فني زادهم ، وخصم منافد لينفد حجة صاحبه ، يقال : نافدته فنفدته.
وقوله : «باق» تقدّم الكلام عليه في الوقف في سورة الرعد ، وهذه الآية حجة عليه.
__________________
(١) ينسب البيت إلى منظور الدبيري ، ويروى :
فإني رأيت الباخلين متاعهم |
|
يذم ويفنى فارضخي من وعائيا |
ينظر : اللسان (حظل) ، أمالي المرتضى ٢ / ١٥٩ ، الدر اللقيط ٥ / ٥٣٢ ، البحر المحيط ٥ / ٥١٦ ، الألوسي ١٤ / ٢٢٤ ، الدر المصون ٤ / ٣٥٦.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٥٧.