واختلفوا في ذلك البشر : فقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يعلّم فتى بمكة اسمه «بلعام» ، وكان نصرانيّا أعجمي اللسان يقال له : أبو ميسرة ، وكان يتكلم بالروميّة ، فكان المشركون يرون رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخل عليه ويخرج ، فكانوا يقولون : إنما يعلمه «بلعام» (١).
وقال عكرمة : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ يقرىء غلاما لبني المغيرة ، يقال له : «يعيش» ، وكان يقرأ الكتب ، فقالت قريش : إنما يعلمه «يعيش» (٢).
وقال الفراء : كان اسمه «عائش» مملوك لحويطب بن عبد العزى ، وكان قد أسلم وحسن إسلامه ، وكان أعجميّا ، وقيل : اسمه «عدّاس» غلام «عتبة بن ربيعة».
وقال ابن إسحاق : كان رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام روميّ نصراني عبد لبني الحضرمي ، يقال له : «جبر» ، وكان يقرأ الكتب ، وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي : كان لنا عبدان من أهل عين التّمر ، يقال لهما : يسار ويكنى : أبا فكيهة ، وجبر ، وكانا يصنعان السيوف بمكّة ، وكانا يقرآن التوراة والإنجيل ، فربما مر بهما النّبيصلىاللهعليهوسلم وهما يقرآن ، فيقف ويسمع (٣).
قال الضحاك : وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا آذاه الكفّار يقعد إليهما ، فيستروح بكلامهما ، فقال المشركون : إنما يتعلّم محمد منهما فنزلت الآية (٤).
وقيل : سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فكذبهم الله ـ تعالى ـ بقوله : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ).
قوله تعالى : (لِسانُ الَّذِي) العامة على إضافة «لسان» إلى ما بعده ، والمراد باللسان هنا : القرآن ، والعرب تقول للغة : لسان.
وقرأ الحسن (٥) ـ رضي الله عنه ـ : اللّسان معرفا ب «أل» ، و«الّذي» نعت له وفي هذه الجملة وجهان :
أحدهما : لا محلّ لها ؛ لاستئنافها ، قاله الزمخشري.
والثاني : أنّها حال من فاعل «يقولون» ، أي : يقولون ذلك والحال هذه ؛ أي : علمهم بأعجميّة هذا البشر ، وإبانة عربيّة هذا القرآن كان ينبغي أن يمنعهم من تلك
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٤٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٤٧) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه وقال : بسند ضعيف.
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٦٤٨) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٨٥).
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٨٥).
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : المحتسب ٢ / ١٢ ، والشواذ ٧٤ ، والبحر ٥ / ٥١٩ ، والدر المصون ٤ / ٣٥٩.