وصفها في آخر الآية بقوله ـ عزوجل ـ (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) وهذا لا يليق إلّا بالإبل فقط.
والجواب : أنّ هذه الآيات وردت لتعديد منافع الأنعام ، فبعض تلك المنافع حاصل في الكلّ ، وبعضها يختص بالبعض ، لأنّ قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) حاصل في البقر والغنم أيضا.
(إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) بخلقه حيث جعل لهم هذه المنافع.
فصل
احتجّ منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية ، لأنّ هذه الآية دلت على أنّ الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا بشقّ الأنفس ، وحمل الأثقال على [الجمال](١) ، فيكون الانتقال من بلد إلى بلد بعيد في ليلة واحدة من غير تعب ، وتحمّل مشقة خلاف هذه الآية ، فيكون باطلا.
ولمّا بطل القول بالكرامات في هذه الصورة ، بطل القول بها في سائر الصّور ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
والجواب : أنّا نخصّ هذه الآية بالأدلّة الدالة على وقوع الكرامات.
قوله : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ) العامة على نصبها ؛ نسقا على الأنعام ، وقرأ ابن أبي عبلة برفعها (٢) على الابتداء ، والخبر محذوف ، أي : مخلوقة ومعدّة لتركبوها ، وليس هذا ممّا ناب فيه الجارّ مناب الخبر لكونه كونا خاصّا.
قال القرطبي (٣) : «وسمّيت الخيل خيلا لاختيالها في مشيها ، وواحد الخيل خائل ، كضائن واحد ضأن. وقيل : لا واحد له ، ولما أفرد ـ سبحانه وتعالى ـ الخيل ، والبغال ، والحمير ، بالذكر ؛ دلّ على أنّها لم تدخل في لفظ الأنعام. وقيل : دخلت ؛ ولكن أفردها بالذكر لما يتعلق بها من الركوب ، فإنّه يكثر في الخيل والبغال والحمير».
قوله : «وزينة» في نصبها أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله وإنّما وصل الفعل إلى الأول باللام في قوله تعالى (لِتَرْكَبُوها) وإلى هذا بنفسه لاختلاف الشّرط في الأول ، وعدم اتحاد الفاعل ، وأنّ الخالق الله والراكب المخاطبون.
الثاني : أنّها منصوبة على الحال ، وصاحب الحال إمّا مفعول «خلقها» وإمّا مفعول «لتركبوها» فهو مصدر ، وأقيم مقام الحال.
__________________
(١) في ب : الأحمال.
(٢) ينظر : البحر ٥ / ٤٦٢ ، والقرطبي ١٠ / ٤٩ ، والدر المصون ٤ / ٣٦٤.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٤٩.