يفصح سواء كان من العرب أو من العجم ؛ ألا ترى أنهم قالوا : زياد الأعجم ؛ لأنه كانت في لسانه عجمة مع أنّه كان عربيّا؟ وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في «الشعراء» ، و«حم السجدة».
وقال بعضهم : العجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا ، والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن فصيحا.
فصل
المعنى : إنّ لسان الذي ينسبون التعلّم منه أعجمي ، وهذا القرآن عربي فصيح ، فتقرير هذا الجواب كأنه قال : هب أنه يتعلّم المعاني من ذلك الأعجمي ، إلا أنّ القرآن إنّما كان معجزا لما في ألفاظه من الفصاحة ، فبتقدير أن تكونوا صادقين في أن محمّدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتعلم تلك المعاني من ذلك الرجل ، إلا أن ذلك لا يقدح في المقصود ؛ لأن القرآن إنما كان معجزا لفصاحته اللفظيّة.
ولما ذكر ـ تعالى ـ هذا الجواب ، أردفه بالتهديد ؛ فقال ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) قال القاضي : لا يهديهم إلى طريق الجنّة لقوله بعده : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : أنهم لما تركوا الإيمان بالله ، لا يهديهم الله إلى الجنّة ، بل يسوقهم إلى النّار ، ثم إنه ـ تعالى ـ بين كونهم كاذبين في ذلك القول ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) والمقصود منه أنه ـ تعالى ـ بيّن في الآية السابقة أن الذي قالوه بتقدير أن يصح لم يقدح في المقصود ، ثم بين في هذه الآية أن الذي قالوه لم يصحّ ، وهم كذبوا فيه ، والدليل على كذبهم وجوه :
أحدها : أنهم لا يؤمنون بآيات الله تعالى وهم كافرون ، وإذا كان الأمر كذلك ، كانوا أعداء للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وكلام العدو ضرب من الهذيان ولا شهادة لمتّهم.
وثانيها : أن التعلّم لا يتأتّى في جلسه واحدة ولايتم بالخفية ، بل التعلّم إنما يتمّ إذا اختلف المتعلّم إلى المعلّم أزمنة متطاولة ، وإذا كان كذلك ، اشتهر فيما بين [الخلق](١) أن محمدا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يتعلم العلوم من فلان ومن فلان.
وثالثها : أن العلوم الموجودة في القرآن كثيرة ، وتعلّمها لا يتأتى إلا إذا كان المعلم في غاية الفضل والتحقيق ، فلو حصل فيهم إنسان بلغ في العلم والتحقيق إلى هذا الحد ، لكان مشارا إليه بالأصابع في التحقيق والتدقيق في الدنيا ، فكيف يمكن تحصيل هذه العلوم العالية الشريفة والمباحث النفيسة من عند فلان وفلان؟.
وإذا كان الأمر كذلك ، فالطّعن في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم بأمثال هذه الكلمات الرّكيكة يدلّ
__________________
(١) في ب : الناس.