الأكل ضرر على حيوان ، وإلا إهانة لحقّ الله ، فوجب أن يجب ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥].
المرتبة الثانية : أن يصير ذلك الفعل مباحا ولا يصير واجبا ؛ كما لو أكره على التلفّظ بكلمة الكفر ، فههنا يباح له ذلك ، ولكنه لا يجب.
المرتبة الثالثة : أنه لا يجب ولا يباح ، بل يحرم ؛ كما لو أكرهه إنسان على قتل إنسان ، أو على قطع عضو من أعضائه ، فههنا يبقى الفعل على الحرمة الأصلية ، وهل يسقط القصاص عن المكره أم لا؟.
قال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ في أحد قوليه : يجب القصاص ؛ لأنّه قتله عمدا عدوانا ، فوجب عليه القصاص ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [البقرة : ١٧٨] ، وأيضا : أجمعنا على أن المكره إذا قصد قتله فإنّ له أن يدفعه عن نفسه ولو بالقتل ، فلما كان يوهم إقدامه على القتل ، أوجب إهدار دمه ، فلأن يكون عند صدور القتل عنه حقيقة يصير دمه مهدرا أولى.
فصل
من الأفعال ما يمكن الإكراه عليه كالقتل والتكلم بكلمة الكفر ، ومنها ما لا يقبل الإكراه ، قيل : وهو الزّنا ؛ لأن الإكراه يوجب الخوف الشديد ، وذلك يمنع من انتشار الآلة ، فحيث دخل الزّنا في الوجود ، دل على أنّه وقع بالاختيار لا على سبيل الإكراه.
وقيل : الإكراه على الزّنا مقصور ؛ كما لو انتشر ذكره وهو نائم فاستدخلته المرأة في تلك الحالة ، أو كان به مرض الانتصاب ، فلا يزال منتشرا ، أو علم أنّه لا يخلص من الإكراه إلا باستحضار الأسباب الموجبة للانتشار.
فصل
قال القرطبي (١) ـ رحمهالله تعالى ـ : ذهب بعض العلماء إلى أنّ الرّخصة إنما جاءت في القول ، وأما في الفعل فلا رخصة فيه ؛ مثل أن يكره على السّجود لغير الله تعالى أو الصّلاة لغير القبلة ، أو قتل مسلم ، أو ضربه ، أو أكل ماله ، أو الزّنا ، أو شرب الخمر ، أو أكل الرّبا ، روي ذلك عن الحسن البصري ، وهو قول الأوزاعي والشافعي وبعض المالكيّة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ.
فصل
قال القرطبي : وأما بيع المكره والمضغوط فله حالتان :
الأول : أن يبيع ماله في حق وجوب عليه ، فذلك ماض سائغ لا رجوع فيه ؛ لأنّه
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٢٠.