قليل. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بل متاع كلّ الدنيا متاع قليل ، ثم يردّون إلى عذاب أليم.
وفي «متاع» وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ ، و«قليل» خبره.
وفيه نظر ؛ للابتداء بالنّكرة من غير مسوّغ ، فإن ادّعي إضافة نحو : متاعهم قليل ، فهو بعيد جدّا.
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : بقاؤهم ، أو عيشهم ، أو منفعتهم فيما هم عليه.
قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(١١٩)
قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ) الآية لما بيّن ما يحلّ وما يحرم لأهل الإسلام ، أتبعه ببيان ما خصّ اليهودية من المحرّمات ، فقال : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) وهو المذكور في سورة الأنعام عند قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [الأنعام : ١٤٦].
وقوله : «من قبل» متعلق ب «حرّمنا» أو ب «قصصنا» والمضاف إليه قبل تقديره : من قبل تحريمنا على أهل ملتك.
(وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريم ذلك عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فحرّمنا عليهم ببغيهم ، وهو قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) [النساء : ٢٦].
قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) الآية بين ههنا أن الافتراء على الله ومخالفة أمره ، لا يمنعهم من التوبة وحصول المغفرة والرحمة ، ولفظ «السّوء» يتناول كل ما لاينبغي ، وهو الكفر والمعاصي ، وكل من يفعل السوء فإنما يفعله جهلا ، أما الكفر فلأن أحدا لايرضى به مع العلم بكونه كفرا ؛ لأنه لو لم يعتقد كونه حقّا ، فإنّه لا يختاره ولا يرتضيه ، وأما المعصية ، فلأن العالم لم تصدر عنه المعصية ما لم تصر الشّهوة غالبة للعقل ، فثبت أن كلّ من عمل السوء فإنما يقدم عليه بسبب الجهالة ، ثم تابوا من بعد ذلك ، أي : من بعد تلك السّيئة.
وقيل : من بعد تلك الجهالة ، ثم إنّهم بعد التوبة عن تلك السّيّئات أصلحوا ، أي : آمنوا وأطاعوا الله.
قوله : (مِنْ بَعْدِها) أي : من بعد عمل السوء والتوبة ، والإصلاح ، وقيل : على الجهالة ، وقيل : على السوء ؛ لأنه في معنى المعصية.
«بجهالة» حال من فاعل «عملوا» ، ثم أعاد قوله : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) على سبيل