الليل ، من «مكّة» إلى «الشام» مسيرة أربعين ليلة ؛ وذلك أنّ التنكير دلّ على البعضيّة ، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة «من اللّيل» ، أي : بعضه ؛ كقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) [الإسراء : ٧٩]. انتهى.
فيكون «سرى» و«أسرى» ك «سقى» و«أسقى» والهمزة ليست للتعدية ؛ وإنما المعدّى الباء في «بعبده» ، وقد تقدّم أنها لا تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول عند الجمهور ، في البقرة ، خلافا للمبرّد.
وزعم ابن عطية أنّ مفعول «أسرى» محذوف ، وأن التعدية بالهمزة ؛ فقال : «ويظهر أنّ» «أسرى» معدّاة بالهمزة إلى مفعول محذوف ، أي : أسرى الملائكة بعبده ؛ لأنه يقلق أن يسند «أسرى» وهو بمعنى «سرى» إلى الله تعالى ؛ إذ هو فعل يقتضي النّقلة ؛ ك «مشى ، وجرى ، وأحضر ، وانتقل» فلا يحسن إسناد شيء من هذا مع وجود مندوحة عنه ، فإذا وقع في الشريعة شيء من ذلك ، تأوّلناه ؛ نحو : أتيته هرولة».
وهذا كلّه إنما بناه ؛ اعتقادا على أن التعدية بالباء تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في ذلك ، وتقدّم الردّ على هذا المذهب في أوّل البقرة في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) [آية : ٢٠].
ثم جوّز أن يكون «أسرى» بمعنى «سرى» على حذف مضاف ؛ كقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧] يعني : فيكون التقدير : الذي أسرى ملائكته بعبده ، والحامل له على ذلك ما تقدّم من اعتقاد المصاحبة. والعبد هو محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله : «ليلا» منصوب على الظرف ، وقد تقدم فائدة تنكيره. و (مِنَ الْمَسْجِدِ) «من» لابتداء الغاية.
فصل في وقت الإسراء
قال مقاتل : «كان قبل الهجرة بستّة عشر شهرا» (١) ، ونقل الزمخشري عن أنس والحسين: كان قبل البعثة ، واختلفوا في المكان الذي أسري به منه ، فقيل : هو المسجد الحرام بعينه ؛ لظاهر القرآن ، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «بينا أنا في المسجد الحرام عند البيت بين النّائم واليقظان ، إذ أتاني جبريل عليهالسلام بالبراق» (٢).
وقيل : أسري به من دار (٣) أمّ هانىء بنت أبي طالب (٤) ، وعلى هذا ، فالمراد بالمسجد الحرام الحرم.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٩٢) ولكن قال : بسنة.
(٢) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٣٨٨٧).
(٣) في أ: بيت.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٤) عن أم هانىء.
وأخرجه الطبري وابن مردويه كما في «الدر المنثور» (٤ / ٢٧٤) عنها بلفظ آخر.