قال ابن عبّاس : «الحرم كلّه مسجد» (١) ، وهذا قول الأكثرين. وقوله : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى).
اتفقوا على أنه بيت المقدس ، وسمي بالأقصى ؛ لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام.
وقوله : (بارَكْنا حَوْلَهُ).
قيل : بالأزهار والثمار.
وقيل : لأنه مقرّ الأنبياء ، ومهبط الملائكة.
واعلم أنّ كلمة : «إلى» لانتهاء الغاية ، فمدلول قوله : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) أنه وصل إلى ذلك ، فأما أنه دخل المسجد أم لا ، فليس في اللفظ دلالة عليه ، إلّا أنه ورد الحديث أنّه صلىاللهعليهوسلم صلّى فيه.
قوله : «حوله» فيه وجهان : أظهرهما : أنه منصوب على الظّرف ، وقد تقدّم في تحقيق القول فيه أوّل البقرة. والثاني : أنه مفعول. قال أبو البقاء (٢) : «أي : طيّبنا ونمّينا».
يعني ضمّنه معنى ما يتعدّى بنفسه ، وفيه نظر ؛ لأنه لا يتصرّف.
قوله : «لنريه» قرأ العامة بنون العظمة ؛ جريا على «باركنا» وفيهما التفات من الغيبة في قوله (الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) إلى التكلّم في «باركنا» و«لنريه» ، ثم التفت إلى الغيبة في قوله : «إنه هو» إن أعدنا الضمير إلى الله تعالى ، وهو الصحيح ، ففي الكلام التفاتان.
وقرأ الحسن (٣) «ليريه» بالياء من تحت ، أي : الله تعالى ، وعلى هذه القراءة يكون في هذه الآية أربعة التفاتات : وذلك أنّه التفت أوّلا من الغيبة في قوله (الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) إلى التكلّم في قوله «باركنا» ثم التفت ثانيا من التكلّم في «باركنا» إلى الغيبة في «ليريه» على هذه القراءة ، ثم التفت ثالثا من هذه الغيبة إلى التكلم في «آياتنا» ، ثم التفت رابعا من هذا التكلم إلى الغيبة في قوله (إِنَّهُ هُوَ) على الصحيح في الضمير ؛ أنه لله ، وأمّا على قول نقله أبو البقاء (٤) أنّ الضمير في (إِنَّهُ هُوَ) للنبي صلىاللهعليهوسلم فلا يجيء ذلك ، ويكون في قراءة العامة التفات واحد ، وفي قراءة الحسن ثلاثة. وأكثر ما ورد الالتفات فيه ثلاث مرات على ما قاله الزمخشريّ في قول امرىء القيس : [المتقارب]
٣٣٧٤ ـ تطاول ليلك بالأثمد |
|
..........(٥) |
الأبيات. وتقدّم النزاع معه في ذلك ، وبعض ما يجاب به عنه أوّل الفاتحة.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١١٧) وقد تقدم تخريجه.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٨٧.
(٣) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٩٢ ، والكشاف ٢ / ٦٤٨ ، والبحر ٦ / ٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٦٩.
(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ٨٧.
(٥) تقدم.