فصل
روي لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسري به فكان ب «ذي طوى» قال : «يا جبريل : إنّ قومي لا يصدّقونني ، قال : يصدّقك أبو بكر ، وهو الصّدّيق» (١).
قال ابن عبّاس وعائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لمّا كانت ليلة أسري بي ، فأصبحت بمكّة ، فضقت بأمري ، وعرفت النّاس مكذّبين» ، فروي أنه ـ عليهالسلام ـ قعد معتزلا حزينا ، فمرّ به أبو جهل بن هشام ، فجلس إليه ، فقال كالمستهزىء : هل استفدت من شيء؟ قال : نعم ، أسري بي اللّيلة ، قال : إلى أين؟ قال : إلى بيت المقدس ، قال : ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : نعم ، قال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤيّ هلمّ ، فانفضّت إليه المجالس ، فجاءوا حتّى جلسوا إليهما قال : فحدّث قومك ما حدّثتني ، قال : نعم ، إنّي أسري بي اللّيلة ، قالوا : إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس ، قالوا : ثمّ أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : نعم قال : فمن بين مصفّق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجّبا ، وارتدّ ناس ممّن كان آمن به وصدّقه ، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر ، فقال : هل لك في صاحبك يزعم أنّه أسري به إلى بيت المقدس؟ قال : أو قد قال؟ قالوا : نعم ، قال : لئن قال ذلك ، لقد صدق ، قالوا : وتصدّقه أنّه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة ، وجاء قبل أن يصبح؟ قال : نعم إنّي لأصدّقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدّقه بخبر السّماء بغدوة أو روحة ، ولذلك سمّي أبو بكر «الصّديق» ، قال : وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى ، فقالوا : هل تستطيع أن تنعته لنا؟ قال : نعم ، قال : فذهبت أنعت وأنعت ، فما زلت أنعت حتّى التبس عليّ ، فجيء بالمسجد ، وأنا أنظر إليه ، فقال قوم : أمّا النّعت فو الله لقد أصاب ، ثمّ قالوا : يا محمّد ، أخبرنا عن عيرنا ، فهي أهمّ إلينا ، هل لقيت منها شيئا؟ قال : نعم ، مررت على عير بني فلان ، وهي بالرّوحاء ، وقد أضلّوا بعيرا لهم ، وهم في طلبه ، وفي رحالهم قدح من ماء ، فعطشت فأخذته فشربته ، ثمّ وضعته ، فسلوهم : هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه ، قالوا : هذه آية.
قال : ومررت بعير بني فلان وفلان وفلان راكبان قعودا لهما بذي موضع ، فنفر بعيرهما منّي فرمى فلانا ، فانكسرت يده ، فسلوهما عن ذلك قالوا : وهذه آية.
قالوا : فأخبرنا عن عيرنا ، قال : مررت بها بالتّنعيم ، قالوا : فما عدّتها وأحمالها ، وهيئتها ، ومن فيها؟ فقال : نعم هيئتها كذا وكذا ، وفيها فلان ، يقدمها جمل أورق ، عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم عند طلوع الشّمس ، قالوا : وهذه آية أخرى ، ثمّ خرجوا
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٨٤) وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن سعد والطبراني في «الأوسط» وابن مردويه عن أبي هريرة.