وقال غيرهما من الصحابة : إنّ ذلك كان في اليقظة ، فإنّه صلىاللهعليهوسلم كان لايرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح.
واختلف العلماء في أنّ الإسراء والمعراج ، هل كانا في ليلة واحدة ، أو كل واحد في ليلة؟ فمنهم من زعم أن الإسراء في اليقظة ، والمعراج في المنام ، وذهب آخرون إلى أنّ الإسراء كان مرتين ، مرّة بروحه مناما ، ومرة بروحه وجسده يقظة ، وذهب آخرون إلى تعدّد الإسراء في اليقظة ، وقالوا : «إنّها أربع إسراءات» لتعدّد الروايات في الإسراء ، واختلاف ما يذكر فيها ، فبعضهم يذكر شيئا لم يذكره الآخر ، وبعضهم يذكر شيئا ذكره الآخر ، وهذا لا يدلّ على التعدّد ؛ لأنّ بعض الرواة قد يحذف بعض الخبر ؛ للعلم به ، أو ينساه ، أو يذكر ما هو الأهمّ عنده ، أو يبسط تارة ، فيسوقه كلّه ، وتارة يحدث المخاطب بما هو الأنفع له ، ومن جعل كلّ رواية إسراء على حدة ، فقد أبعد هذا ؛ لأنّ كل السياقات فيها السلام على الأنبياء ، وفي كلّ منها تعريفه بهم ، وفي كلّها تفرض عليه الصلوات ، فكيف يمكن أن يدعى تعدد ذلك ؛ وما عدد ذلك؟ هذا في غاية البعد والاستحالة ، والله أعلم ، ذكر هذا الفصل ابن كثير (١).
قوله تعالى : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً)(٢)
قوله تعالى : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) الآية.
لما ذكر الله ـ تعالى ـ في الآية الأولى إكرامه محمّدا صلىاللهعليهوسلم أنه أسرى به ، ذكر في هذه الآية إكرام موسى ـ عليهالسلام ـ قبله بالكتاب الذي آتاه.
وفي «آتينا» ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تعطف هذه الجملة على الجملة السابقة من تنزيه الربّ تبارك وتعالى ، ولا يلزم في عطف الجمل مشاركة في خبر ولا غيره.
الثاني : قال العسكريّ : إنه معطوف على «أسرى» واستبعده أبو حيّان.
ووجه الاستبعاد : أن المعطوف على الصّلة صلة ، فيؤدّي التقدير إلى صيرورة التركيب : سبحان الذي أسرى وآتينا ، وهو في قوة : الذي آتينا موسى ، فيعود الضمير على الموصول ضمير تكلّم من غير مسوّغ لذلك.
والثالث : أنه معطوف على ما في قوله «أسرى» من تقدير الخبر ، كأنه قال : أسرينا بعبدنا ، وأريناه آياتنا وآتينا ، وهو قريب من تفسير المعنى لا الإعراب.
__________________
(١) ينظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٢٢.