«عليا» بكسرهما والياء ، والأصل الواو ، وإنما أعلّ على اللغة القليلة ؛ وذلك أن فعولا المصدر ، الأكثر فيه التصحيح ؛ نحو : عتا عتوا ، والإعلال قليل ؛ نحو (أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) [مريم : ٨] على أحد الوجهين ؛ كما سيأتي ، وإن كان جمعا ، فالكثير الإعلال ، نحو : «جثيّا» وشذّ : بهو وبهوّ ، ونجو ونجوّ ، وقاسه الفراء.
فصل
معنى (وَقَضَيْنا) : أوحينا (إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ) ، أي بالمعاصي وخلاف أحكام التوراة.
(فِي الْأَرْضِ) يعني أرض الشّام وبيت المقدس.
(وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) أي : يكون استعلاؤكم على النّاس بغير الحقّ استعلاءا عظيما ؛ لأنّه يقال لكلّ متكبّر متجبّر : قد علا وتعظّم.
قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(٦)
قوله : (وَعْدُ) أي : موعود ، فهو مصدر واقع موقع مفعول ، وتركه الزمخشريّ على حاله ، لكن بحذف مضاف ، أي : وعد عقاب أولاهما. وقيل : الوعد بمعنى الوعيد ، وقيل : بمعنى الموعد الذي يراد به الوقت ، فهذه أربعة أوجه ، والضمير عائد على المرّتين.
قوله : (عِباداً لَنا) العامة على «عباد» بزنة فعال ، وزيد بن عليّ والحسن «عبيدا» على فعيل ، وتقدّم الكلام على ذلك.
وقوله : «فجاسوا» عطف على «بعثنا» ، أي : ترتّب على بعثنا إياهم هذا. وجوس بفتح الجيم وضمها مصدر جاس يجوس ، أي : فتّش ونقّب ، قاله أبو عبيد ، وقال الفراء (١) : «قتلوا» قال حسان : [الطويل]
٣٣٧٦ ـ ومنّا الّذي لاقى بسيف محمّد |
|
فجاس به الأعداء عرض العساكر (٢) |
وقال أبو زيد : «الجوس والجوس والحوس والهوس طلب الطّوف باللّيل». وقال قطرب : «جاسوا : نزلوا». وأنشد : [المتقارب]
٣٣٧٧ ـ فجسنا ديارهم عنوة |
|
|
وأبنا بساداتهم موثقينا (٣) |
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢٠ / ١١٦.
(٢) ينظر : القرطبي ١٠ / ١٤٢ ، الدر المصون ٣ / ٣٧١ والبحر المحيط ٦ / ٤.
(٣) ينظر البيت في شواهد البحر ٦ / ٤ ، القرطبي ١٠ / ١٤٢ ، الدر المصون ٤ / ٣٧١.