الزمخشريّ : أنّه لايجيز الجمع بين الحقيقة والمجاز ، ولا استعمال المشترك في معنييه.
فصل
اعلم أن العمل الصّالح ، كما يوجب لفاعله (١) النّفع الأكمل الأعظم ، كذلك تركه يوجب الضّرر الأكمل الأعظم ، فإن قيل : كيف يليق لفظ البشارة بالعذاب؟.
فالجواب (٢) : هذا مذكور على سبيل التهكّم ، أو من باب إطلاق أحد الضّدّين على الآخر ؛ كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] وتقدّم الكلام عليه قبل الفصل ، فإن قيل : هذه الآية [واردة] في شرح أحوال اليهود ، وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة ، فكيف يليق بهذا الموضع قوله تعالى : (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)؟.
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنّ أكثر اليهود ينكرون الثواب والعقاب الجسمانيين (٣).
والثاني : أن بعضهم قال : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) [آل عمران : ٢٤] فهم بهذا القول صاروا كالمنكرين للآخرة.
قوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً).
في الباءين ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهما متعلقتان بالدّعاء على بابهما ؛ نحو : «دعوت بكذا» والمعنى : أنّ الإنسان في حال ضجره قد يدعو بالشرّ ، ويلحّ فيه ، كما يدعو بالخير ويلحّ فيه.
والثاني : أنهما بمعنى «في» بمعنى أنّ الإنسان إذا أصابه ضرّ ، دعا وألحّ في الدعاء ، واستعجل الفرج ؛ مثل الدعاء الذي كان يحبّ أن يدعوه في حالة الخير ، وعلى هذا : فالمدعوّ به ليس الشرّ ولا الخير ، وهو بعيد.
الثالث : أن تكون للسّبب ، ذكره أبو البقاء (٤) ، والمعنى لا يساعده ، والمصدر مضاف لفاعله.
وحذفت الواو ولفظها الاستقبال باللّام الساكنة ؛ كقوله تعالى : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] وحذف في الخط أيضا ، وهي غير محذوفة في المعنى.
فصل في نظم الآية
وجه النّظم : أن الإنسان بعد أن أنزل الله ـ تعالى ـ عليه هذا القرآن ، وخصه بهذه
__________________
(١) في ب : لصاحبه.
(٢) ينظر : الرازي ٢٠ / ١٢٩.
(٣) في ب : الجسماني.
(٤) ينظر : الإملاء ٢ / ٨٩.