وقرأ أبو بكر (١) «ننبت» بنون العظمة ، والزهري «تنبت» بالتشديد ، والظاهر أنّه تضعيف التّعدي ، وقيل : بل للتّكرير ، وقرأ أبي : «تنبت» بفتح الياء وضمّ الباء. «الزّرع» وما بعده رفع بالفاعلية ، وتقدم خلاف القراء في رفع «الشّمس» وما بعدها ونصبها ، وتوجيه ذلك في سورة الأعراف.
فصل
النبات قسمان :
أحدهما : لرعي الأنعام ؛ وهو المراد من قوله «تسيمون».
والثاني : المخلوق لأكل الإنسان ؛ وهو المراد من قوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ).
فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ بدأ في هذه الآية بذكر مأكول [الحيوان](٢) وأتبعه بذكر مأكول الإنسان ، وفي آية أخرى عكس الترتيب ؛ فقال : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) [طه : ٥٤] فما الفائدة فيه؟.
فالجواب : أنّ هذه الآية مبنيّة على مكارم الأخلاق ؛ وهو أن يكون اهتمام الإنسان بمن يكون تحت يده ، أكمل من اهتمامه بنفسه ، وأمّا الآية الأخرى ، فمبنية على قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ابدأ بنفسك ، ثمّ بمن تعول» (٣).
فصل
اعلم أنّ الإنسان خلق محتاجا إلى الغذاء ، والغذاء ، إمّا من الحيوانات ، وإمّا من النبات ، والغذاء الحيوانيّ أشرف من الغذاء النباتي ؛ لأنّ تولد أعضاء الإنسان من [أكل] أعضاء الحيوان أسهل من تولدها من غذاء النبات ؛ لأنّ المشابهة هناك أكمل وأتم ، والغذاء الحيواني إنما يحصل من إسامة الحيوانات وتنميتها بالرعي ؛ وهو الذي ذكره الله في الإسامة.
وأمّا الغذاء النباتيّ ، فقسمان : حبوب ، وفواكه : أمّا الحبوب ، فإليها الإشارة بقوله : «الزّرع» ، وأما الفواكه ، فأشرفها : الزيتون ، والنّخيل ، والأعناب أما الزيتون ؛ فلأنه فاكهة من وجه ، وإدام من وجه آخر ؛ لما فيه من الدهن ، ومنافع الدهن كثيرة : للأكل ، والطلاء ، وإشعال السّراج.
وأما امتياز النّخيل والأعناب من سائر الفواكه ، فظاهر معلوم ، وكما أنّه ـ تعالى ـ لما ذكر الحيوانات المنتفع بها على التفصيل ، ثم وصف البقية بقوله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا
__________________
(١) ينظر : السبعة ٣٧٠ ، والتيسير ١٣٧ ، والحجة ٣٨٦ ، والنشر ٢ / ٣٠٢ ، والإتحاف ٢ / ١٨١ ، والبحر ٥ / ٤٦٤ ، والدر المصون ٤ / ٣١٦.
(٢) في أ: الحيوانات.
(٣) تقدم.