يكون في موضع نصب ، [أي :] ألزم ربّك عبادته و«لا» زائدة»]. قال أبو حيّان : «وهذا وهم ؛ لدخول «إلّا» على مفعول «تعبدوا» فلزم أن يكون نفيا ، أو نهيا».
قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قد تقدم نظيره في البقرة.
وقال الحوفي : «الباء متعلقة ب «قضى» ويجوز أن تكون متعلقة بفعل محذوف تقديره : وأوصى بالوالدين إحسانا ، و«إحسانا» مصدر ، أي : يحسنون بالوالدين إحسانا».
وقال الواحديّ : «الباء من صلة الإحسان ، فقدّمت عليه ؛ كما تقول : بزيد فانزل» (١) وقد منع الزمخشري هذا الوجه ؛ قال : «لأنّ المصدر لا يتقدّم عليه معموله». قال شهاب الدين : والذي ينبغي أن يقال : إنّ هذا المصدر إن عنى به أنّه ينحلّ لحرف مصدريّ ، وفعل ، فالأمر على ما ذكر الزمخشريّ ، وإن كان بدلا من اللفظ بالفعل ، فالأمر على ما قال الواحديّ ، فالجواز والمنع بهذين الاعتبارين.
وقال ابن عطية : «قوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) عطف على «أن» الأولى ، أي : أمر الله ألّا تعبدوا إلّا إيّاه ، وأن تحسنوا بالوالدين إحسانا». واختار أبو حيّان أن يكون «إحسانا» مصدرا واقعا موقع الفعل ، وأنّ «أن» مفسرة ، و«لا» ناهية ، قال : فيكون قد عطف ما هو بمعنى الأمر على نهي ؛ كقوله : [الطويل]
٣٣٩٤ ـ ........... |
|
يقولون : لا تهلك أسى وتجمّل (٢) |
قلت : و«أحسن» و«أساء» يتعدّيان ب «إلى» وب «الباء». قال تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) [يوسف : ١٠٠] وقال كثير عزّة : [الطويل]
٣٣٩٥ ـ أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة |
|
............(٣) |
وكأنه ضمّن «أحسن» لمعنى «لطف» فتعدّى تعديته.
فصل في نظم الآية
لما أمر بعبادة نفسه أتبعه ببرّ الوالدين ، ووجه المناسبة بين الأمرين أمور :
أوّلها : أنّ السبب الحقيقيّ لوجود الإنسان هو تخليق الله وإيجاده ، والسبب الظاهريّ هو الأبوان ، فأمر بتعظيم السبب الحقيقي ، ثم أتبعه بالأمر بتعظيم السبب الظاهري.
وثانيها : أنّ الموجود : إما قديم ، وإما محدث ، ويجب أن تكون معاملة الإنسان مع الإله القديم بالتعظيم والعبودية ، ومع المحدث بإظهار الشفقة ، وهو المراد من قوله ـ صلوات الله البرّ الرّحيم وسلامه عليه ـ : «والتعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله» (٤)
__________________
(١) في ب : فامرر.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٤٨).