وقيل لأبي العلاء المعريّ : ماذا تكتب على قبرك؟ فقال اكتبوا عليه : [الكامل]
٣٣٩٦ ـ هذا جناه أبي علي |
|
ي وما جنيت على أحد (١) |
وقال في ترك التزوج والولد : [الكامل]
٣٣٩٧ ـ وتركت فيهم نعمة ال |
|
عدم التي سبقت نعيم العاجل |
ولو أنّهم ولدوا لعانوا شدّة |
|
ترمي بهم في موبقات الآجل (٢) |
وقيل للإسكندر : أستاذك أعظم منّة عليك أم والدك؟ فقال : الأستاذ أعظم منّة ؛ لأنّه تحمّل أنواع الشّدائد عند تعليمي وأوقفني في نور العلم ، وأمّا الوالد فإنه طلب تحصيل لذة الوقاع لنفسه ، فأخرجني إلى آفات عالم الكون والفساد. ومن الكلمات المشهورة المأثورة : «خير الآباء من علّمك» والجواب :
هب أنّه في أوّل الأمر طلب لذة الوقاع ، إلّا أن الاهتمام بإيصال الخيرات إليه ، ودفع الآفات من أوّل دخوله في الوجود إلى وقت بلوغه الكبر ، أليس أنّه أعظم من جميع ما يصل إليه من جهات الخيرات والمبرات؟ فسقطت هذه الشبهات.
واعلم أن لفظ الآية يدلّ على معان كثيرة ، كل واحد منها يوجب المبالغة في الإحسان إلى الوالدين ، منها أنه تبارك وتعالى قال في الآية المتقدمة : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) ، ثم أردفه بهذه الآية المشتملة على الأعمال التي يحصل بها الفوز بسعادة الآخرة. وذكر من جملتها البرّ بالوالدين ، وذلك يدلّ على أنّ هذه الطاعة من أصول الطّاعات التي تفيد سعادة الآخرة.
ومنها أنّه تعالى بدأ بذكر الأمر بالتّوحيد ، وثنّى بطاعة الله ، وثلّث ببرّ الوالدين ، وهذه درجة عالية ومبالغة عظيمة في تعظيم هذه الطّاعة.
ومنها : أنه تعالى لم يقل : «وإحسانا بالوالدين» ، بل قال : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، فتقديم ذكرهما يدل على شدّة الاهتمام. ومنها : أنه تعالى قال : «إحسانا» بلفظ التنكير ، والتنكير يدلّ على التعظيم ، أي : إحسانا عظيما كاملا ؛ لأنّ إحسانهما إليك قد بلغ الغاية العظيمة ؛ فوجب أن يكون إحسانك إليهما كذلك ، وإن لم تحسن إليهما كذلك ، فلا تحصل المكافأة ؛ لأنّ إنعامهما عليك كان على سبيل الابتداء ، وفي الأمثال المشهورة : «إنّ البادىء بالبرّ لا يكافأ».
قوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَ) قرأ الأخوان (٣) «يبلغانّ» بألف التثنية قبل نون التوكيد
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٤٩ ، وروح المعاني ٨ / ٦١.
(٢) ينظر : الرازي ٢٠ / ١٤٩ ، وروح المعاني ٨ / ٦١.
(٣) ينظر : السبعة ٣٧٩ ، والتيسير ١٣٩ ، والحجة ٣٩٩ ، والنشر ٢ / ٣٠٦ ، والإتحاف ٢ / ١٩٦ ، والبحر ٦ / ٢٤ ، والوسيط ٣ / ١٠٣.