ولا يخفى على الله ما تضمرونه في أنفسكم من الإخلاص وعدم الإخلاص ، فالله تعالى مطلع على ما في نفوسكم.
(إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) أي : إن كنتم برآء عن جهة الفساد في أحوال قلوبكم ، وكنتم أوّابين ، أي : راجعين إلى الله ، فإنّ حكم الله في الأوّابين أنّه غفور لهم ، يكفّر عنهم سيئاتهم.
والأوّاب : على وزن فعّال ، وهو يفيد المداومة والكثرة ؛ كقولهم : قتّال ، وضرّاب.
قال سعيد بن المسيّب ـ رحمهالله ـ : الأوّاب الذي يذنب ، ثم يتوب (١). وقال سعيد بن جبير : هو الرجّاع إلى الخير (٢).
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : هو الرجّاع إلى الله تعالى فيما ينوبه (٣). وعنه أيضا قال : هم المسبّحون ؛ لقوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ)(٤) [سبأ : ١٠].
وقال قتادة : المصلّون (٥).
وقيل : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه ، لا يريد بذلك الخير ، فإنّه لا يؤخذ به.
وقال عون العقيلي : هم الذين يصلّون صلاة الضحى (٦) ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج إلى أهل قباء ، وهم يصلّون الضحى ، فقال : صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال من الضحى (٧).
وروي عن ابن عبّاس أنه قال : إنّ الملائكة لتحفّ بالذين يصلّون بين المغرب والعشاء ، وهي صلاة الأوّابين (٨).
قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)(٢٧)
قيل : هذا خطاب للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأن يؤتي أقاربه الحقوق التي وجبت لهم في الفيء والغنيمة ، وإخراج حقّ المساكين وأبناء السّبيل من هذين المثالين.
وقال الأكثرون : إنه عامّ ، لأنه عطفه على قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٦٥).
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣١١) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١١).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٦٤) وينظر : المصدر السابق.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٦٤).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٦٤).
(٧) أخرجه مسلم (١ / ١٥٦) كتاب صلاة المسافرين : باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال حديث (١٤٤٠ / ٧٤٨) من حديث زيد بن أرقم.
(٨) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٢).