عليهم أحد ، ولولا أنه موجب للذلّ ، وإلا لما كان الأمر كذلك ، فلما كان الوطء ذلّا ، كان السّعي في تقليله موافقا للعقول ، فاقتصار المرأة الواحدة على الرجل الواحد سعي في تقليل ذلك العمل ، وما فيه من الذلّ يجبر بالمنافع الحاصلة.
وأمّا الزّنا ، فإنه فتح لباب العمل القبيح ، ولا يجبر بشيء من المنافع ، فيبقى على أصل المنع.
وإذا ثبت ذلك ، فنقول : إنه تعالى وصف الزّنا بصفات ثلاثة : كونه (فاحِشَةً وَمَقْتاً) في آية أخرى (وَساءَ سَبِيلاً) أما كونه فاحشة ؛ فلاشتماله على الأمور المذكورة ، وأمّا المقت فلأنّ الزانية تصير ممقوتة مكروهة ؛ لما ذكرنا.
وأما كونه ساء سبيلا : فهو ما ذكرنا من أنّه لا يبقى فرق بين الإنسان وبين البهائم في عدم اختصاص الذكران بالإناث ، وبقاء الذلّ والعيب والعار على المرأة من غير أن يجبر بشيء من المنافع.
فصل
قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)(٣٣)
فقوله جلّ ذكره : (إِلَّا بِالْحَقِ) أي : إلا بسبب الحقّ ، فيتعلق ب (لا تَقْتُلُوا) ويجوز أن يكون حالا من فاعل (لا تَقْتُلُوا) أو من مفعوله ، أي : لا تقتلوا إلا ملتبسين بالحقّ أو إلّا ملتبسة بالحقّ ، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أي : إلّا قتلا ملتبسا بالحقّ.
فصل
والحقّ المبيح للقتل هو قوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «لا يحلّ دم امرىء مسلم إلّا بإحدى ثلاث : رجل كفر بالله بعد إيمانه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس» (١).
فإن قيل : إنّ أكبر الكبائر بعد الكفر بالله سبحانه وتعالى هو القتل ، فما السبب في أنه تعالى بدأ بالنّهي عن الزنا ، ثم نهى بعده عن القتل.
فالجواب (٢) : أنّا بيّنا أنّ فتح باب الزّنا يمنع دخول الإنسان في الوجود ، والقتل يدلّ على إعدامه ، ودخوله في الوجود مقدّم على إعدامه بعد وجوده ؛ فلهذا ذكر الزّنا أولا ، ثم ذكر بعده القتل.
__________________
(١) أخرجه البخاري ١٢ / ٢٠٩ ، كتاب الديات : باب قول الله تعالى : أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (٦٨٧٨) ، ومسلم ٣ / ١٣٠٢ ، كتاب القسامة : باب ما يباح به دم المسلم.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٥٩.