فصل
قرأ حمزة والكسائي : «تسرف» (١) بالخطاب ، وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : الخطاب للوليّ ، أي : لا تقتل الجماعة بالواحد ، أو السلطان ، رجع إلى مخاطبته بعد أن أتى به عامّا.
والثاني : أن يكون الخطاب للمبتدىء القتل ، أي : لا تسرف أيّها الإنسان ؛ لأنّ إقدامه على ذلك القتل ظلم محض ، وهو إسراف.
والباقون بالغيبة ، وهي تحتمل ما تقدم في قراءة الخطاب.
وقرأ أبو مسلم (٢) برفع الفعل على أنّه خبر في معنى النهي ؛ كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ) [البقرة : ١٩٧]. وقيل : «في» بمعنى الباء ، أي : بسبب القتل.
قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً).
قال مجاهد (٣) : الهاء راجعة إلى المقتول في قوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) أي : أنّ المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله ، وفي الآخرة بتكفير خطاياه ، وإيجاب النّار لقاتله (٤).
وقال قتادة : الهاء راجعة إلى وليّ المقتول ، أو إلى السلطان ، أي أنّه منصور على القاتل باستيفاء القصاص ، أو الدّية ، فليكتف بهذا القدر ، ولا يطمع في الزيادة (٥).
وقيل : الهاء راجعة إلى القاتل الظالم ، أي أنّ القاتل يكتفى منه باستيفاء القصاص ، ولا يطلب منه زيادة ؛ لأنّه منصور من الله تعالى في تحريم طلب الزيادة منه ، أو أنّه إذا عوقب في الدنيا ، نصر في الآخرة.
وقيل : الهاء راجعة إلى الذّم ، أو قيل : إلى الحقّ ، روى ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت لعليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : وايم الله ليظهرنّ عليكم ابن أبي سفيان ؛ لأنّ الله تعالى يقول : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) فقال الحسن : والله ، ما نصر معاوية على عليّ إلّا بقول الله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)(٦).
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ
__________________
(١) ينظر في قراءاتها : السبعة ٣٨٠ ، والتيسير ١٤٠ ، والحجة ٤٠٢ ، والمحتسب ٢ / ٢٠ ، والنشر ٢ / ٣٠٧ ، والإتحاف ٢ / ١٩٧ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ٩٨ ، ٩٩ ، والكشاف ٢ / ٦١٤ ، والقرطبي ١٠ / ١٦٦ ، والبحر ٦ / ٣١ ، والدر المصون ٤ / ٣٨٩.
(٢) ينظر : المحتسب ٢ / ٢٠.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١١٤.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٤).
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٦٣).