قوله تعالى : «طولا» يجوز أن يكون حالا من فاعل «تبلغ» أو من مفعوله ، أو مصدرا من معنى «تبلغ» أو تمييزا ، أو مفعولا له ، وهذان ضعيفان جدّا ؛ لعدم المعنى.
قوله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً).
قرأ ابن عامر والكوفيّون (١) بضمّ الهمزة والهاء ، والتذكير ، وترك التنوين ، والباقون بفتح الهمزة ، وتاء التأنيث منصوبة منونة ، فالقراءة الأولى أشير فيها بذلك إلى جميع ما تقدم ، ومنه السّيىء والحسن ، فأضاف السيّىء إلى ضمير ما تقدّم ، ويؤيّدها ما قرأ به عبد الله : «كلّ ذلك كان سيّآته» بالجمع ، مضافا للضمير ، وقراءة أبيّ «خبيثه» والمعنى : كل ما تقدم ذكره ممّا أمرتم به ونهيتم عنه كان سيّئه ـ وهو ما نهيتم عنه خاصة ـ أمرا مكروها ، هذا أحسن ما يقدّر في هذا المكان.
وأمّا ما استشكله بعضهم من أنّه يصير المعنى : كل ما ذكر كان سيئة ، ومن جملة كلّ ما ذكر : المأمور به ، فيلزم أن يكون فيه سيّىء ، فهو استشكال واه ؛ لما تقدم من تقرير معناه.
و«مكروها» خبر «كان» وحمل الكلام كله على لفظ «كلّ» فلذلك ذكّر الضمير في «سيّئه» والخبر ، وهو : مكروه.
وأمّا قراءة الباقين : فيحتمل أن تقع الإشارة فيها ب «ذلك» إلى مصدري النّهيين المتقدّمين قريبا ، وهما :
قفو ما ليس به علم ، والمشي في الأرض مرحا.
والثاني : أنه أشير به إلى جميع ما تقدّم من المناهي.
و«سيّئة» خبر «كان» وأنّث ؛ حملا على معنى «كلّ» ثم قال «مكروها» حملا على لفظها.
وقال الزمخشريّ كلاما حسنا ، وهو : أنّ «السّيّئة في حكم الأسماء ؛ بمنزلة الذّنب والإثم ، زال عنه حكم الصفات ، فلا اعتبار بتأنيثه ، ولا فرق بين من قرأ «سيئة» ومن قرأ «سيّئا» ألا ترى أنّك تقول : الزّنى سيّئة ، كما تقول : السّرقة سيّئة ، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث».
وفي نصب «مكروها» أربعة أوجه :
أحدها : أنه خبر ثان ل «كان» وتعداد خبرها جائز على الصّحيح.
الثاني : أنه بدل من «سيّئة» وضعف هذا ؛ بأنّ البدل بالمشتقّ قليل.
الثالث : أنه حال من الضمير المستتر في (عِنْدَ رَبِّكَ) لوقوعه صفة ل «سيئة».
__________________
(١) ينظر في قراءاتها : السبعة ٣٨٠ ، والنشر ٢ / ٣٠٧ ، والحجة ٤٠٣ ، والتيسير ١٤٠ ، والإتحاف ٢ / ١٩٧ ، والحجة للفارسي ٥ / ١٠٢ ، والقرطبي ١٠ / ١٠٧ ، والكشاف ٤ / ٦٦٨ والبحر ٦ / ٣٥ ، والدر المصون ٤ / ٣٩١ والوسيط ٣ / ١٠٨.