وأجيب بأنّ المراد من المكروه المنهيّ عنه ، ولا بأس بالتّكرير ، لأجل التأكيد.
فصل
قال القاضي (١) دلّت هذه الآية على أنه تعالى كما أنّه موصوف بكونه مريدا ، فكذلك أيضا موصوف بكونه كارها.
وأجيب بأنّ الكراهية في حقّه تعالى محمولة إمّا على النهي ، [وإمّا هي](٢) إرادة العدم.
قوله تعالى : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً)(٣٩)
قوله تعالى : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) : [مبتدأ أو خبر] ، اعلم أن قوله «ذلك» إشارة إلى ما تقدّم من التكاليف ، وهي خمسة وعشرون نوعا ، أولها قوله تعالى : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الإسراء : ٢٢].
وقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣].
وهذا مشتمل على تكليفين :
الأمر بعبادة الله تعالى ، والنهي عن عبادة غير الله ، فكان المجموع [ثلاثة].
والرابع : قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وقوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) وقوله (وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) وقوله : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) وقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) وقوله : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) وقوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) فهذه خمسة وعشرون تكليفا ، بعضها أوامر وبعضها نواه ، جمعها الله تعالى في هذه الآيات ، وجعل فاتحتها قوله : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) ، وخاتمتها (٣) قوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) وإنّما سمّاها حكمة ؛ لوجوه :
الأول : أن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتّوحيد ، وأنواع الطّاعات والخيرات والإعراض عن الدنيا ، والإقبال على الآخرة ، والعقول تدلّ على صحّتها ، فالآتي بمثل هذه الشريعة لا يكون داعيا إلى دين الشيطان ، بل الفطرة الأصليّة تشهد بأنّه يكون داعيا إلى دين الرّحمن.
الثاني : أنّ هذه الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٧٠.
(٢) في ب : أو على.
(٣) سقط من : أ.