الذّال ، وضمّ الكاف مخففة مضارع «ذكر» من الذّكر أو الذّكر ، والباقون بفتح الذال ، والكاف مشددة ، والأصل : يتذكّروا ، فأدغم التاء في الذّال لقرب المخرج وهو من الاعتبار والتّدبّر.
قال الواحديّ (١) : والتذكّر هنا أشبه من الذّكر ؛ لأنّ المراد منه التدبّر والتفكّر ، وليس المراد منه الذّكر الذي يحصل بعد النسيان ، ثم قال : وأمّا قراءة حمزة والكسائي ، ففيها وجهان :
الأول : أنّ الذكر قد جاء بمعنى التّأمّل والتدبّر ؛ كقوله سبحانه جلّ ذكره : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) [البقرة : ٦٣]. والمعنى : وافهموا ما فيه.
والثاني : أن يكون المعنى : صرفنا هذه الدلائل في هذا القرآن ؛ لتذكروه بألسنتكم ؛ فإنّ الذكر بألسنتكم قد يؤدّي إلى تأثر القلب بمعناه.
فصل
قال الجبائيّ (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : قوله عزوجل : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) يدل على أنّه تعالى يفعل أفعاله لأغراض حكمية ، ويدلّ على أنّه تعالى أراد الإيمان من الناس ، سواء آمنوا ، أو كفروا.
قوله : (وَما يَزِيدُهُمْ) ، أي : التصريف ، و«نفورا» مفعول ثان وهذه الآية تدلّ على أنّه تعالى ما أراد الإيمان من الكفّار ؛ لأنّه تعالى عالم بأن تصريف القرآن لا يزيدهم إلا نفورا ، فلو أراد الإيمان منهم ، لما أنزل عليهم ما يزيدهم نفرة عنه ؛ لأنّ الحكيم ، إذا أراد تحصيل أمر من الأمور ، وعلم أنّ الفعل الفلانيّ يصير سببا للعسر والتعذّر والنفرة ؛ فإنّه عند محاولة تحصيل ذلك المقصود يحترز عما يوجب النّفرة ، فلمّا أخبر تعالى أنّ هذا التصرّف يزيدهم نفورا ، علمنا أنّه ما أراد الإيمان منهم.
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً)(٤٣)
قوله تعالى : (كَما يَقُولُونَ) : الكاف في موضع نصب ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنها متعلقة بما تعلّقت به «مع» من الاستقرار ، قاله الحوفيّ.
والثاني : أنها نعت لمصدر محذوف ، أي : كونا كقولكم ؛ قاله أبو البقاء (٣).
وقرأ (٤) ابن كثير وحفص «يقولون» بالياء من تحت ، والباقون بالتاء من فوق ، وكذا
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٧٣.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٧٣.
(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٢.
(٤) ينظر : السبعة ٣٨١ ، والحجة ٤٠٤ ، والنشر ٢ / ٣٠٧ ، والتيسير ١٤٠ ، والإتحاف ٢ / ١٩٩ ، والحجة للفارسي ٥ / ١٠٦ ، والوسيط ٣ / ٢٠٩ ، والبحر ٦ / ٣٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٩٤.