٣٤٢٧ ـ فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا |
|
عصافير من هذا الأنام المسحّر (١) |
وردّ الناس على أبي عبيدة قوله ؛ لبعده لفظا ومعنى ، قال ابن قتيبة : «لا أدري ما الذي حمل أبا عبيدة على هذا التّفسير المستكره مع ما فسّره السّلف بالوجوه الواضحة».
قال شهاب الدين : وأيضا فإن «السّحر» الذي هو الرّئة لم يضرب له فيه مثل ؛ بخلاف «السّحر» فإنهم ضربوا له فيه المثل ، فما بعد الآية من قوله (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) [الإسراء : ٤٨] لا يناسب إلا «السّحر» بالكسر.
فصل في معنى قوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ)
قال المفسّرون : معنى الآية (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) أي يطلبون سماعه ، (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) وأنت تقرأ القرآن ، (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) يتناجون في أمرك ، فبعضهم يقول : هذا مجنون ، وبعضهم يقول : شاعر (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) مطبوعا.
وقال مجاهد ـ رحمهالله ـ : مخدوعا (٢) ؛ لأنّ السّحر حيلة وخديعة ، وذلك لأنّ المشركين كانوا يقولون : إنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم يتعلّم من بعض النّاس هذه الكلمات ، وأولئك النّاس يخدعونه بهذه الكلمات ، فلذلك قالوا : «مسحورا» أي : مخدوعا.
وأيضا : كانوا يقولون : إنّ الشيطان يتخيّل له ، فيظنّ أنه ملك ، فقالوا : إنه مخدوع من قبل الشّيطان.
وقيل : مصروفا عن الحقّ (٣) ، يقال : ما سحرك عن كذا ، أي : ما صرفك ، وقيل : المسحور هو الشّيء المفسود ، يقال : طعام مسحور ، إذا فسد ، وأرض مسحورة ، إذا أصابها من المطر أكثر ممّا ينبغي فأفسدها.
فإن قيل : إنّهم لم يتبعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكيف يصحّ أن يقولوا : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً).
فالجواب أنّ معناه : إن اتّبعتموه ، فقد اتّبعتم رجلا مسحورا. ثم قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) ، أي : كلّ أحد شبّهك بشيء ، فقالوا : كاهن ، وساحر ، وشاعر ، ومعلّم ، ومجنون ، فضلّوا عن الحقّ ، فلا يستطيعون سبيلا ، أي : وصولا إلى طريق الحقّ.
قوله تعالى : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ
__________________
(١) ينظر : ديوانه ٧١ ، مجاز القرآن ١ / ٣٨١ ، الطبري ٢ / ٣١ ، روح المعاني ١٥ / ٩٠ ، الدر المصون ٤ / ٣٩٧ اللسان [سحر].
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٨).
(٣) ينظر : المصدر السابق.