كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً)(٥٢)
قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) الآيات.
لما تكلّم أوّلا في الإلهيّات ، ثمّ أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوّات ، ذكر في هذه الآيات شبهاتهم في إنكار المعاد ، والبعث ، والقيامة ، وقد تقدّم أنّ مدار القرآن على هذه الأربعة ، وهي الإلهيّات ، والنبوّات ، والمعاد ، والقضاء والقدر ، وأيضا فالقوم وصفوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكونه مسحورا فاسد العقل ، فذكروا أن من جملة ما يدلّ على فساد عقله : أن يدعي أنّ الإنسان بعد ما يصير عظاما ورفاتا يعود حيّا ، كما كان.
قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا) : قد تقدم خلاف القرّاء في مثل هذين الاستفهامين في سورة الرعد ، والعامل في «إذا» محذوف [تقديره :] أنبعث أو أنحشر ، إذا كنّا ، دلّ عليه «لمبعوثون» ولا يعمل فيها «مبعوثون» هذا ؛ لأنّ ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها ، وكذا ما بعد الاستفهام ، لا يعمل فيما قبله ، وقد اجتمعا هنا ، وعلى هذا التقدير : تكون «إذا» متمحّضة للظرفية ، ويجوز أن تكون شرطية ، فيقدّر العامل فيها جوابها ، تقديره : أإذا كنّا عظاما ورفاتا نبعث أو نعاد ، ونحو ذلك ، فهذا المحذوف جواب الشّرط عند سيبويه ، والذي انصبّ عليه الاستفهام عند يونس.
والرّفات : ما بولغ في دقّه ، وتفتيته ، وهو اسم لأجزاء ذلك الشيء المفتت ، وقال الفراء(١): «هو التّراب» وهو قول مجاهد ويؤيّده أنه قد تكرّر في القرآن (تُراباً وَعِظاماً). يقال : رفته يرفته بالكسر [أي : كسره].
وقيل : حطاما قال الواحدي (٢) : الرفت : كسر الشيء بيدك ؛ كما يرفت المدر والعظم البالي ، يقال : رفت عظام الجزور رفتا ، إذا كسرها ، ويقال للتبن : الرفت ؛ لأنّه دقاق الزّرع.
قال الأخفش : رفت رفتا ، فهو مرفوت ، نحو حطم حطما ، فهو محطوم.
والفعال يغلب في التفريق كالرّفات والحطام والعظام والدقاق والفتات ، والجذاذ والرضاض.
قوله تعالى : «خلقا» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه مصدر من معنى الفعل ، لا من لفظه ، أي : نبعث بعثا جديدا.
والثاني : أنه في موضع الحال ، أي : مخلوقين.
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٢٥.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٧٩.