وقيل : المراد استقلال لبثهم في عرصة القيامة ؛ لأنّه لما كان عاقبة أمرهم الدّخول في النّار ، استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة.
قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً)(٥٣)
تقدم إعراب قوله تعالى (وَقُلْ لِعِبادِي) في سورة إبراهيم [٣١]. وفي العباد ها هنا قولان :
الأول : المراد به المؤمنون ؛ لأنّ لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختصّ بالمؤمنين.
قال تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) [الزمر : ١٧ ، ١٨] (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) [الفجر : ٢٩] (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦].
وإذا عرف هذا ، فإنه تعالى لمّا ذكر الحجج القطعيّة في صحّة المعاد ، وهو قوله تعالى : (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) قال ها هنا : قل ، يا محمد لعبادي : إذا أردتم الاستدلال على المخالفين ، فاذكروا تلك الدلائل بطريق الأحسن من غير شتم ، ولا سبّ ، ونظيره قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] وقوله تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [العنكبوت : ٤٦] وذلك لأنّ ذكر الحجّة ، إذا اختلط به سبّ أو شتم ، لقابلوكم بمثله ، كما قال تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٠٨] ويزداد الغضب ، وتكمل النّفرة ، ويمتنع المقصود ، وإذا ذكرت الحجة بالطّريق الأحسن ، أثّر في القلب تأثيرا شديدا ، ثم نبّه تعالى على وجه المنفعة ، فقال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي : يفسد بينهم ، ويغري بينهم.
قال الكلبي : كان المشركون يؤذون المسلمين ، فشكوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي) المؤمنين يقولوا للمشركين التي هي أحسن ، ولا يكافئوهم بسفههم.
قال الحسن : يقول له : يهديك الله ، وكان هذا قبل الإذن في الجهاد (١).
وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ شتمة بعض الكفّار ، فأمره الله تعالى بالعفو (٢).
وقيل : أمر المؤمنين بأن يقولوا ، ويفعلوا الخلّة التي هي أحسن (٣).
وقيل : الأحسن قول : لا إله إلا الله (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٩٣) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٩).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٩).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : المصدر السابق.