قوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) يجوز أن تكون هذه الجملة اعتراضا بين المفسّر والمفسّر ؛ وذلك أن قوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) وقع تفسيرا لقوله (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وبيانا لها ، ويجوز ألّا تكون معترضة ، بل مستأنفة.
وقرأ (١) طلحة «ينزغ» بكسر الزاي ، وهما لغتان ، كيعرشون ويعرشون ، قاله الزمخشري. قال أبو حيان : ولو مثّل ب «ينطح» و«ينطح» كأنّه يعني من حيث إنّ لام كلّ منهما حرف حلق ، وليس بطائل.
والمعنى : أنّ الشّيطان يلقي العداوة بينهم (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) ظاهر العداوة.
قوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(٥٤)
قوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) يوّفقكم ، فتؤمنوا (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) يميتكم على الكفر ، فيعذّبكم ، قاله ابن جريج (٢).
وقال الكلبيّ : إن يشأ يرحمكم ، فينجيكم من أهل مكّة ، وإن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم (٣).
(وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) حفيظا ، وكفيلا ، والمقصود إظهار اللّين والرّفق لهم عند الدّعوة ؛ فإنّ ذلك هو المؤثّر في القلب قيل : نسختها آية القتال.
قوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً)(٥٦)
قوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : في هذه الباء قولان :
أشهرهما : أنها تتعلق ب «أعلم» كما تعلّقت الباء ب «أعلم» قبلها ، ولا يلزم من ذلك تخصيص علمه بمن في السماوات والأرض فقط.
والثاني : أنها متعلقة ب «يعلم» مقدّرا ، قاله الفارسيّ ، محتجّا بأنّه يلزم من ذلك تخصيص علمه بمن في السماوات والأرض ، وهو وهم ؛ لأنّه لا يلزم من ذكر الشيء نفي
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٠٢ ، والبحر ٦ / ٤٨ ، والدر المصون ٤ / ٣٩٩.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٩٣) عن ابن جريج وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٤٠ ـ ٣٤١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٩).
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١١٩).