الثاني : أنها بدل من واو «يبتغون» كما قاله الجمهور.
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً)(٥٨)
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ) الآية.
فلمّا قال : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) بيّن أنّ كلّ قرية مع أهلها ، فلا بدّ وأن يرجع حالها إلى أحد أمرين : إمّا الإهلاك ، وإمّا التّعذيب.
قال مقاتل : أما الصالحة فبالموت ، وأما الطالحة ، فبالعذاب (١).
وقيل : المعنى : وإن من قرية من قرى الكفّار ، فلا بدّ وأن يكون عاقبتها إمّا بالاستئصال بالكلّيّة ، وهو الهلاك ، أو بعذاب شديد من قتل كبرائهم ، وتسليط المسلمين عليهم بالسّبي ، واغتنام الأموال ، وأخذ الجزية (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) في اللّوح المحفوظ.
قال صلوات الله وسلامه عليه : «أوّل ما خلق الله تعالى القلم قال : اكتب ، قال : ما أكتب؟ قال : القدر ، وما هو كائن إلى الأبد» (٢).
و«إن» نافية و«من» مزيدة في المبتدأ ، لاستغراق الجنس. وقال ابن عطيّة : هي لبيان الجنس ، وفيه نظر من وجهين :
أحدهما : قال أبو حيّان : «لأنّ التي للبيان ، لا بدّ أن يتقدّمها مبهم ما ، تفسّره ؛ كقوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) [فاطر : ٢] ، وهنا لم يتقدم شيء مبهم» ثم قال «ولعلّ قوله «لبيان الجنس» من الناسخ ، ويكون هو قد قال : لاستغراق الجنس ؛ ألا ترى أنه قال بعد ذلك : «وقيل : المراد الخصوص».
وخبر المبتدأ الجملة المحصورة من قوله : (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها).
والثاني : أنّ شرط ذلك أن يسبقها محلّى بأل الجنسيّة ، وأن يقع موقعها «الذي» كقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠].
قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً)(٥٩)
لما استدلّ على فساد قول المشركين ، وأتبعه بالوعيد ، أتبعه بذكر مسألة النبوة ، واعلم أنّ الكفّار كانوا يقترحون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم إظهار المعجزات ، كما حكى الله
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ١٨٦) عن مقاتل.
(٢) أخرجه أحمد (٥ / ٣١٧) وابن أبي عاصم في «السنة» (١ / ٤٨) والترمذي (٢ / ٢٣٢) والطيالسي (٥٥٧) من حديث عبادة بن الصامت وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.