ويكذّب بعضهم من يؤمن ، فلذلك لم يرسل الآيات لهذه المصلحة.
وقدّر أبو البقاء (١) رحمهالله مضافا قبل الفاعل ، فقال : «تقديره : إلّا إهلاك التكذيب». كأنّه يعني أنّ التكذيب نفسه لم يمنع من ذلك ، وإنّما منع منه ما يترتّب على التّكذيب ، وهو الإهلاك ، ولا حاجة إلى ذلك ؛ لاستقلال المعنى بدونه.
قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً).
قرأ العامة بنصب «مبصرة» على الحال ، وزيد بن عليّ (٢) يرفعها على إضمار مبتدأ ، أي : هي ، وهو إسناد مجازي ، إذ المراد إبصار أهلها ، ولكنها لمّا كانت سببا في الإبصار ، نسب إليها ، وقرأ قوم بفتح الصّاد ، مفعول على الإسناد الحقيقيّ ، وقتادة بفتح الميم والصّاد ، أي : محل إبصار ، كقوله ـ عليهالسلام ـ : «الولد مبخلة مجبنة» (٣) ، وكقوله : [الكامل]
٣٤٣٣ ـ ........... |
|
والكفر مخبثة لنفس المنعم (٤) |
أجرى هذه الأشياء مجرى الأمكنة ؛ نحو : أرض مسبعة ومذأبة.
قوله تعالى : (إِلَّا تَخْوِيفاً) يجوز أن يكون مفعولا له ، وأن يكون مصدرا في موضع الحال : إمّا من الفاعل ، أي : مخوّفين أو من المفعول ، أي : مخوّفا [بها].
فصل
المعنى أنّ الآية التي التمسوها مثل آية ثمود ، وقد آتينا ثمود النّاقة مبصرة ، أي : واضحة بيّنة ، ثم كفروا بها ، فاستحقّوا بها عذاب الاستئصال ، فكيف يتمنّاها هؤلاء على سبيل الاقتراح والتّحكّم.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٣.
(٢) ينظر في قراءاتها : الشواذ ٧٧ ، وفيه أن قتادة قرأ «مبصرة» وينظر : البحر ٦ / ٥١ ، والدر المصون ٤ / ٤٠٢.
(٣) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٢٠٩) كتاب الأدب : باب بر الوالد والإحسان إلى البنات حديث (٣٦٦٦) من حديث يعلى العامري.
وذكر البوصيري في «الزوائد» (٣ / ١٦٠ ـ ١٦١) : هذا إسناد صحيح رواه الإمام أحمد في «مسنده» من حديث يعلى بن مرة أيضا.
ورواه ابن أبي عمر العدني وزاد مجهلة بين مجبنة ومبخلة. ورواه ابن أبي شيبة في «مسنده» كما رواه ابن ماجه سواء.
(٤) عجز بيت لعنترة العبسي وصدره :
نبئت عمرا غير شاكر نعمتي
ينظر : ديوانه ٢٨ ، شرح القصائد العشر ٣٦٨ ، الفراء ٢ / ١٢٦ ، البحر ٦ / ٥١ ، العمدة ١ / ٢٨٣ ، التهذيب «سول» ، اللسان «خبث» ، الدر المصون ٤ / ٤٠٢.