قال الفراء : مبصرة : مضيئة.
قال تعالى : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] أي : مضيئا ، وقيل : مبصرة أي : ذات إبصار ، أي : فيها إبصار لمن تأمّلها يبصر بها رشده ، ويستدلّ بها على صدق ذلك الرسول ـ صلوات الله عليه ـ.
(فَظَلَمُوا بِها) أي : ظلموا أنفسهم بتكذيبها ، أي : فعاجلناهم بالعقوبة.
وقال ابن قتيبة (١) : ظلموا بها ، أي : جحدوا بأنّها من الله تعالى ، ثم قال تعالى : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) قيل : لأنه لا آية إلّا وتتضمّن التخويف عند التكذيب ، إمّا من العذاب المعجّل ، أو من العذاب المؤجّل عذاب الآخرة.
فإن قيل : المقصود الأعظم من إظهار الآيات أن يستدلّ بها على صدق المدّعى ، فكيف حصر المقصود من إظهارها في التّخويف؟.
فالجواب : أن مدّعي النبوّة ، إذا أظهر الآية ، فإذا سمع الخلق منه ذلك ، فهم لا يعلمون أنّ تلك الآية معجزة ، أو غير معجزة ، إلّا أنّهم يجوزون كونها معجزة ، وبتقدير أن تكون معجزة ، فلو لم يتفكّروا فيها ، ولم يستدلّوا على الصّدق ، لاستحقوا العذاب الشديد ، فهذا الخوف هو الذي يحملهم على التفكّر والتأمل في تلك المعجزات ، فهذا هو المراد من قوله : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً).
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً)(٦٠)
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) الآية.
اعلم أنّ القوم ، لمّا طالبوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمعجزات القاهرة ، وأجاب الله بأنّ إظهارها ليس بمصلحة ، صار ذلك سببا لجرأة أولئك الكفار بالطّعن فيه ، وأن يقولوا له : لو كنت رسولا حقّا من عند الله تعالى ، لأتيت بهذه المعجزات التي اقترحناها ، كما أتى به موسى وغيره من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ ، فعند هذا قوّى الله قلبه ، وبيّن له أنّه ينصره ، ويؤيّده ، فقال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أي : هم في قبضته لا يقدرون على الخروج عن مشيئته ، فهو حافظك (٢) منهم ، فلا تهبهم ، وامض لما أمرك به من تبليغ الرّسالة ، كقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧].
وقيل : المراد بالنّاس أهل مكّة ، وإحاطة الله بهم هو أنّه تعالى يفتحها للمؤمنين ؛ فيكون المعنى : وإذ بشّرناك بأنّ الله أحاط بأهل مكّة ؛ بمعنى أنّه ينصرك ، ويظهر دولتك عليهم ؛ كقوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٥] وقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ١٨٧.
(٢) في ب : يحفظك.