وخامسها : قوله تعالى (وَعِدْهُمْ).
قيل : معناه : قل لهم : لا جنّة ، ولا نار ، ولا بعث.
وقيل : [خذ] منهم الجميل في طاعتك ، أي بالأماني الباطلة ؛ كقوله لآدم ـ صلوات الله عليه ـ : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠].
وقيل : عدهم بشفاعة الأصنام عند الله ، والأنساب الشريفة ، وإيثار العاجل على الآجل.
واعلم أنّ مقصود الشيطان الترغيب في اعتقاد الباطل ، وعمله ، والتّنفير عن اعتقاد الحقّ ، ومعلوم أنّ الترغيب في الشيء لا يمكن إلّا بأن يقرر عنده ألّا ضرر ألبتة في فعله ، ومع ذلك ، فإنّه يفيد المنافع العظيمة ، والتنفير عن الشيء لا يمكن إلّا بأن يقرّر عنده أنه لا فائدة في فعله ، ومع ذلك يفيد المضارّ العظيمة ، وإذا ثبت هذا ، فالشيطان إذا دعا إلى معصية ، فلا بدّ وأن يتقرّر أولا: أنّه لا مضرّة في فعله ألبتّة ، وذلك لا يمكن إلا إذا قال : لا معاد ، ولا جنّة ولا نار ، ولا حياة غير هذه الحياة الدنيا ، فإذا فرغ من هذا المقام ، قرّر عنده أنّ هذا الفعل يفيد أنواعا من اللّذة والسّرور ، ولا حياة للإنسان في هذه الحياة الدنيا إلّا به ، فتفويتها غبن وخسران ؛ كقوله : [الطويل]
٣٤٤٠ ـ خذوا بنصيب من نعيم ولذّة |
|
فكلّ وإن طال المدى يتصرّم |
فهذا هو طريق الدّعوة إلى المعصية ، وأمّا طريق التنفير من الطاعات ، فهو أن يقرّر عنده أوّلا أنه لا فائدة فيها للعباد والمعبود ، فكانت عبثا ، وأنّها توجب التّعب والمحنة ، وذلك أعظم المضار.
فقوله : (وَعِدْهُمْ) يتناول جميع هذه الأقسام.
قوله تعالى : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ) من باب الالتفات ، وإقامة الظاهر مقام المضمر ؛ إذ لو جرى على سنن الكلام الأوّل ، لقال : وما تعدهم ، بالتاء من فوق.
قوله تعالى : (إِلَّا غُرُوراً) فيه أوجه :
أحدها : أنه نعت مصدر محذوف وهو نفسه [مصدر] ، الأصل : إلا وعدا غرورا ، فيجيء فيه ما في «رجل عدل» [أي] : إلّا وعدا ذا غرور ، أو على المبالغة ، أو على : وعدا غارّا ، ونسب الغرور إليه مجازا.
الثاني : أنه مفعول من أجله ، أي : ما يعدهم ممّا يعدهم من الأماني الكاذبة إلّا لأجل الغرور.
الثالث : أنه مفعول به على الاتّساع ، أي : ما يعدهم إلا الغرور نفسه.
والغرور : تزيين الباطل مما يظنّ أنه حقّ.
فإن قيل : كيف ذكر الله هذه الأشياء ، وهو يقول : إنّ الله لا يأمر بالفحشاء.