قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل ، وفي البحر على السفن (١).
(وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني لذيذ الطعام والمشارب ، (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً).
واعلم أنه قال في أول الآية (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ).
وقال في آخرها : (وَفَضَّلْناهُمْ) ولا بد من الفرق بين التكريم والتفضيل ، وإلا لزم التكرار ، والأقرب أن يقال : إنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبعية ذاتية ؛ كالعقل ، والنطق ، والخط ، والصورة الحسنة ، والقامة المديدة ، ثم إنه تعالى عرضه بواسطة العقل والفهم لا كتساب العقائد الحقة ، والأخلاق الفاضلة ، فالأول : هو التكريم ، والثاني : هو التفضيل.
فصل
ظاهر الآية يدل على أنه فضلهم على كثير من خلقه ، لا على الكل ، فقال قوم : فضلوا على جميع الخلق ، لا على الملائكة ، وهذا قول ابن عباس (٢) ، واختيار الزجاج على ما رواه الواحدي (٣) في «البسيط».
وقال الكلبي : فضلوا على جميع الخلائق كلهم ، إلا على طائفة من الملائكة : جبريل ، ميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وأشباههم (٤).
وقال قوم : فضلوا على جميع الخلق ، وعلى الملائكة كلهم ، وقد يوضع الأكثر موضع الكل ؛ كقوله سبحانه (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) إلى قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) [الشعراء : ٢٢١ ـ ٢٢٣] أي : كلهم.
وروى جابر يرفعه : قال «لما خلق الله ـ عزوجل ـ آدم ، وذريته ، قالت الملائكة : يا رب ، خلقتهم يأكلون ، ويشربون ، وينكحون ، فاجعل لهم الدنيا ، ولنا الآخرة ، فقال تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي ، ونفخت فيه من روحي ، كمن قلت له : كن فكان» (٥).
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ١٣).
(٢) ويؤيده ما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : ما من شيء أكرم على الله من بني آدم يوم القيامة. قيل يا رسول الله ولا الملائكة المقربون قال ولا الملائكة.
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٠) وعزاه إلى الطبراني والبيهقي في «الشعب» والخطيب في «تاريخه».
(٣) ينظر : الرازي ٢١ / ١٤.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٥).
(٥) أخرجه البيهقي ف ي «الأسماء والصفات» (ص ٣١٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٠) وعزاه إلى البيهقي ف ي «الأسماء والصفات».