والأولى أن يقال : عوام الملائكة أفضل من عوام المؤمنين ، وخواص المؤمنين أفضل من خواص الملائكة ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة : ٧].
وروي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : «المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده» رواه البغوي (١) وأورده الواحدي في «البسيط».
واحتج القائلون بتفضيل الملائكة على البشر على الإطلاق بهذه الآية.
قال ابن الخطيب : وهو في الحقيقة تمسك بدليل الخطاب ، وتقريره أن يقال : تخصيص الكثير بالذكر يدل على أن الحال في القليل بالضد ، وذلك تمسك بدليل الخطاب.
قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٧١)
لما ذكر كرامات الإنسان في الدنيا ، شرح درجات أحواله في الآخرة.
قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا) : فيه أوجه :
أحدها : أنه منصوب على الظرفية ، والعامل «فضلناهم» أي : فضلناهم بالثواب يوم ندعو ، قال ابن عطية في تقريره : وذلك أن فضل البشر على سائر الحيوان يوم القيامة بين ؛ إذ هم المكلفون المنعمون المحاسبون الذين لهم القدر ؛ إلا أن هذا يرده أن الكفار [يومئذ] أخسر من كل حيوان ؛ لقولهم : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠].
الثاني : أنه منصوب على الظرف ، والعامل فيه «اذكر» قاله الحوفيّ وابن عطيّة ، وهذا سهو ؛ كيف يعمل فيه ظرفا؟ بل هو مفعول.
الثالث : أنه مرفوع المحلّ على الابتداء ، وإنما بني لإضافته إلى الجملة الفعلية ، والخبر الجملة بعده ، قال ابن عطيّة في تقريره : ويصحّ أن يكون «يوم» منصوبا على البناء ، لمّا أضيف إلى غير متمكّن ، ويكون موضعه رفعا بالابتداء ، وخبره في التقسيم الذي أتى بعده في قوله (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) إلى قوله «ومن كان» قال أبو حيان : قوله «منصوب على البناء» كان ينبغي أن يقول : مبنيا على الفتح ، وقوله «لمّا أضيف إلى غير متمكّن» ليس بجيّد ؛ لأنّ المتمكّن وغير المتمكّن ، إنما يكون في الأسماء ، لا في الأفعال ، وهذا أضيف إلى فعل مضارع ، ومذهب البصريين فيه أنه معرب ، والكوفيون يجيزون بناءه ، وقوله : «[والخبر] في التقسيم» إلى آخره ، التقسيم عار من رابط يربط جملة التقسيم بالابتداء. قال شهاب الدين : الرابط محذوف للعلم به ، أي : فمن أوتي كتابه فيه.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي (٣ / ١٢٥).