وروي أنّ قريشا قالت : اجعل آية رحمة آية عذاب ، وآية عذاب آية رحمة ؛ حتّى نؤمن بك ، فنزلت الآية.
قال القفال : ويمكن تأويل الآية من غير تقييد بسبب يضاف إلى نزولها فيه ؛ لأنّ من المعلوم أنّ المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأقصى ما يقدرون عليه ، فتارة كانوا يقولون : إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) [الكافرون : ١ ، ٢]. (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩].
وعرضوا عليه الأموال الكثيرة ، والنّسوان الجميلة ؛ ليترك ادّعاء النبوة ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) [طه : ١٣١].
ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) [الأنعام : ٥٢].
ودعوه إلى طرد الّذين يدعون ربّهم ، فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب ، وذلك أنّهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه ، وأن يزيلوه عن منهجه ، فبيّن الله ـ تعالى ـ أنّه يثبته على الدّين القويم ، والمنهج المستقيم ، وعلى هذا الطريق ، فلا حاجة في تفسير هذه الآيات إلى شيء من تلك الرّوايات.
قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) : «إن» هذه فيها المذهبان المشهوران : مذهب البصريين : أنها مخففة ، واللام فارقة بينها وبين «إن» النافية ، ولهذا دخلت على فعل ناسخ ، ومذهب الكوفيين أنها بمعنى «ما» النافية ، واللام بمعنى «إلّا» وضمّن «يفتنونك» معنى «يصرفونك» فلهذا عدّي ب «عن» تقديره : ليصرفونك بفتنتهم ، و«لتفتري» متعلق بالفتنة.
قوله : (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ) «إذن» حرف جواب وجزاء ؛ ولهذا تقع أداة الشرط موقعها، و«لاتّخذوك» جواب قسم محذوف ، تقديره : إذن ، والله لا تخذوك ، وهو مستقبل في المعنى ؛ لأنّ «إذن» تقتضي الاستقبال ؛ إذ معناها المجازاة ، وهو كقوله : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) [الروم : ٥١] أي : ليظلنّ ، وقول الزمخشريّ : «أي : ولو اتّبعت مرادهم ، لاتّخذوك» تفسير معنى ، لا إعراب ، لا يريد بذلك أنّ «لاتّخذوك» جواب ل «لو» محذوفة ؛ إذ لا حاجة إليه.
فصل في معنى الآية
قال الزجاج : معنى الكلام : كادوا يفتنونك ، ودخلت «إن» و«اللام» للتأكيد ، و«إن» مخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.
والمعنى : الشّأن أنّهم قاربوا أن يفتنوك ، أي : يخدعوك فاتنين ، وأصل الفتنة : الاختبار.