ففيها الجملة برأسها التي هي : إذن لا يلبثوا ، عطف على جملة قوله (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ).
وقرأ عطاء «لا يلبّثون» بضمّ الياء ، وفتح اللام والباء ، مشددة مبنيّا للمفعول ، من «لبّثه» بالتشديد ، وقرأها يعقوب كذلك ، إلا أنه كسر الباء ، جعله مبنيا للفاعل.
قوله تعالى : «خلافك» قرأ (١) الأخوان ، وابن عامر ، وحفص : «خلافك» بكسر الخاء ، وألف بعد اللام ، والباقون بفتح الخاء ، وسكون اللام ، والقراءتان بمعنى واحد.
قال الأخفش : خلافك : بمعنى : خلفك.
وروى ذلك يونس عن عيسى ، وهذا كقوله : (بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) [التوبة : ٨١].
وأنشدوا في ذلك : [الكامل]
٣٤٤٧ ـ عفت الدّيار خلافهم فكأنّما |
|
بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا (٢) |
والمعنى : بعد خروجك ، وكثر إضافة «قبل» و«بعد» ونحوهما إلى أسماء الأعيان ؛ على حذف مضاف ، فيقدّر من قولك : جاء زيد قبل عمرو ، أي : قبل مجيئه.
قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً) يجوز أن تكون صفة لمصدر ، أو لزمان محذوف ، أي : إلا لبثا قليلا ، أو إلّا زمانا قليلا ؛ أي : حتّى يهلكوا ، فالمراد بالقليل : إمّا مدّة حياتهم ، وإما ما بين خروج النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة إلى حين قتلهم ببدر.
قوله تعالى : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً)(٧٧)
قوله تعالى : (سُنَّةَ) : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن ينتصب على المصدر المؤكّد ، أي : سنّ الله ذلك سنة ، أو سننّا ذلك سنّة.
الثاني : ـ قاله الفراء (٣) ـ رحمهالله ـ أنه على إسقاط الخافض ، أي : كسنّة الله تعالى ، وعلى هذا لا يوقف على قوله (إِلَّا قَلِيلاً).
الثالث : أن ينتصب على المفعول به ، أي : اتّبع سنّة.
فصل في سنة الله في رسله
سنة الله في الرّسل ، إذا كذّبتهم الأمم : ألا يعذّبهم ، ما دام نبيّهم بين أظهرهم ، فإذا
__________________
(١) ينظر : السبعة ٣٨٣ ، النشر ٢ / ٣٠٨ ، التيسير ١٤١ ، والقرطبي ١٠ / ١٩٥.
(٢) البيت لجرير ينظر : تفسير الطبري ١٥ / ٩٠ ، القرطبي ١٠ / ١٩٥ ، مجاز القرآن ١ / ٢٦٤ ، الكشاف ٢ / ٦٨٦ ، البحر ٦ / ٦٣ ، روح المعاني ١٥ / ١٣٠ ، التاج واللسان «خلف» ، الدر المصون ٤ / ٤١١.
(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٢٩.