قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) فيه أوجه :
أحدها : أنه عطف على «الصّلاة» أي : وأقم قرآن الفجر ، والمراد به صلاة الصبح ، عبّر عنها ببعض أركانها.
والثاني : أنه منصوب على الإغراء ، أي : وعليك قرآن الفجر ، كذا قدّره الأخفش (١) وتبعه أبو البقاء (٢) ، وأصول البصريّين تأبى هذا ؛ لأن أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة.
الثالث : أنه منصوب بإضمار فعل ، أي : كثّر قرآن ، أو الزم قرآن الفجر.
فصل في دلالة الآية
دلّت هذه الآية على أمور :
منها : أنّ الصّلاة لا تكون إلا بقراءة ؛ لقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ).
ومنها : أنه تعالى أضاف القرآن إلى الفجر ، والتقدير : وأقم قرآن الفجر.
ومنها : أنه علّق القراءة بحصول الفجر ، وفي أوّل طلوع الصّبح قد حصل الفجر ؛ لأنّ الفجر سمّي فجرا ؛ لانفجار ظلمة الليل عن نور الصّباح ، وظاهر الأمر الوجوب ، فاقتضى هذا اللفظ وجوب إقامة صلاة الفجر من أوّل طلوعه ، إلّا أنّ الإجماع على أنّ هذا الوجوب غير حاصل ؛ فوجب أن يبقى على النّدب ؛ لأنّ الوجوب عبارة عن رجحان مانع من التّرك ، فإذا منع مانع من تحقّق الوجوب ، وجب أن يرتفع المنع من التّرك ، وأن يبقى أصل الرّجحان ؛ حتّى تنقل مخالفة الدليل ؛ فثبت أنّ هذه الآية تقتضي أنّ إقامة الفجر في أوّل الوقت أفضل ؛ وهذا يدلّ على أنّ التغليس أفضل من التّنوير.
ومنها أن القراءة تكون في هذه الصلاة أطول من القراءة في سائر الصلوات ؛ لأنّ المقصود من قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الحثّ على طول القراءة في هذه الصلاة ؛ لأنّ التخصيص بالذّكر يدلّ على أنه أكمل من غيره.
ومنها : قوله تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).
ومعناه : أنّ ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون في صلاة الصّبح خلف الإمام ، تنزل ملائكة النّهار عليهم ، وهم في الصّلاة ؛ قبل أن تعرج ملائكة اللّيل ، وإذا فرغ الإمام من الصلاة ، عرجت ملائكة الليل ، ومكثت ملائكة النّهار ، ثمّ إن ملائكة الليل إذا صعدت ، قالت : يا ربّ ، إنّا تركنا عبادك يصلّون لك ، وتقول ملائكة النّهار : ربّنا ، أتينا عبادك يصلّون لك ، فيقول الله تعالى لملائكته : اشهدوا أنّي قد غفرت لهم.
وهذا يدل على أنّ التغليس أفضل من التنوير ، لأنّ الإنسان ، إذا شرع فيها من [أوّل] الصّبح ، ففي ذلك الوقت : الظلمة باقية ، فتكون ملائكة الليل حاضرين ، ثمّ إذا
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن للأخفش ٢ / ٣٩٢.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٥.