الخسار ، والخزي ، ثم أتبعه بقوله : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ).
ومعناه : أن اللائق بتلك النّفوس أن يظهر فيها القرآن الخير وآثار الذكاء والكمال وبتلك النفوس الكدرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الخزي والضلال كما أن الشمس تعقد الملح وتلين الدهن وتبيض ثوب القصار ، وتسوّد وجهه ، وهذا الكلام لا يتم المقصود به ، إلّا إذا كانت الأرواح والنفوس مختلفة ماهيّاتها ، فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نور على نور ، وبعضها كدرة ظلمانية ، ويظهر فيها من القرآن ضلال على ضلال ، ونكال على نكال.
قوله : «أهدى» يجوز أن يكون من «اهتدى» ؛ على حذف الزوائد ، وأن يكون من «هدى» المتعدّي ، وأن يكون من «هدى» القاصر ، بمعنى «اهتدى». وقوله «سبيلا» تمييز.
[والمعنى :] فربّكم أعلم بمن هو أوضح طريقا.
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)(٨٨)
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الآية.
روي أن اليهود قالوا لقريش : اسألوا محمدا عن ثلاثة أشياء ، فإن أجاب عن كلّها ، أو لم يجب عن شيء ، فليس بنبيّ ، وإن أجاب عن اثنين ، وأمسك عن الثّالث ، فهو نبيّ ؛ فاسألوا عن فتية فقدوا في الزّمن الأوّل ، فما كان أمرهم ؛ فإنهم كان لهم حديث عجيب؟ وعن رجل بلغ مشرق الشّمس ، ومغربها ، ما خبره؟ وعن الرّوح ؛ فسألوه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «غدا أخبركم» ولم يقل : إن شاء الله ، فانقطع عنه الوحي (١).
قال مجاهد (٢) : اثنتي عشرة ليلة ، وقيل : خمسة عشر يوما ، وقال عكرمة (٣) : أربعين يوما ، وأهل مكّة يقولون : وعدنا محمد غدا ، وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء ، حتّى حزن النبيصلىاللهعليهوسلم من مكث الوحي ، وشقّ عليه ما يقول أهل مكّة ، ثم نزل الوحي بقوله : (وَلا) نقولن (لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤].
ونزل في الفتية : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) [الكهف : ٩].
ونزل فيمن بلغ المشرق والمغرب : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) [الكهف : ٨٣].
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٣٤).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المصدر السابق.