لظننت أنّي لا أصدّقك ، فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم حزينا لما يرى من مباعدتهم (١).
ثم قال تعالى : قل ، يا محمد : (سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) أمره بتنزيهه ، وتمجيده ، أي : أنّه لو أراد أن ينزل ما طلبوا ، لفعل ، ولكن لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر.
واعلم أنّه تعالى قد أعطى النبي صلىاللهعليهوسلم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كلّه مثل القرآن ، وانشقاق القمر ، وتفجير العيون من بين الأصابع ، وما أشبهها ، والقوم عامّتهم كانوا متعنّتين ، لم يكن قصدهم طلب الدّليل ؛ ليؤمنوا ، فردّ الله عليهم سؤالهم.
قوله : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) قرأ ابن كثير ، وابن عامر (٢) «قال» فعلا ماضيا ؛ إخبارا عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بذلك ، والباقون «قل» على الأمر أمرا منه تعالى لنبيهصلىاللهعليهوسلم بذلك ، وهي مرسومة في مصاحف المكيين (٣) والشاميين : «قال» بألف ، وفي مصاحف غيرهم «قل» بدونها ، فكل وافق مصحفه.
قوله : (إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) يجوز أن يكون «بشرا» خبر «كنت» و«رسولا» صفته ، ويجوز أن يكون «رسولا» هو الخبر ، و«بشرا» حال مقدمة عليه.
فصل في استدلالهم بهذه الآية
استدلّوا بهذه الآية على أن المجيء على الله والذهاب محال ؛ لأنّ كلمة «سبحان» للتنزيه عمّا لا ينبغي.
فقوله : (سُبْحانَ رَبِّي) : تنزيه لله تعالى عن شيء لا يليق به ، وذلك تنزيه الله عما نسب إليه ممّا تقدّم ذكره ، وليس فيما تقدّم ذكره شيء مما لا يليق بالله إلا قولهم : أو تأتي بالله ، فدلّ على أنّ قوله : (سُبْحانَ رَبِّي) تنزيه لله تعالى أن يتحكّم عليه المتحكّمون في الإتيان ، والمجيء ؛ فدلّ ذلك على فساد قول المشبهة.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المراد تنزيه الله تعالى أن يتحكّم عليه المتحكّمون في اقتراح الأشياء؟.
فالجواب : أنّ القوم لم يتحكّموا على الله ، وإنما قالوا للرسول : إن كنت نبيّا صادقا ، فاطلب من الله أن يشرّفك بهذه المعجزات ، فالقوم إنّما تحكّموا على الرسول صلىاللهعليهوسلم لا على الله ، فلا يليق حمل قوله : (سُبْحانَ رَبِّي) على هذا المعنى ، فيجب حمله على قولهم : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ).
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : السبعة ٣٨٥ ، والنشر ٢ / ٣٠٩ ، والحجة ٤١٠ ، والتيسير ١٤١ ، والإتحاف ٢ / ٢٠٥ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٢١ ، والقرطبي ١ / ٢١٤ ، والبحر ٦ / ١٩ ، والدر المصون ٤ / ٤١٩.
(٣) في ب : الكوفيين.