والثاني : قال أبو هريرة : قيل : يا رسول الله ، كيف يمشون على وجوههم؟ قال : «الذي يمشيهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم» (١).
قوله : «عميا» يجوز أن تكون حالا ثانية من الضمير ، أو بدلا من الأولى ، وفيه نظر ؛ لأنه لا يظهر فيه أنواع البدل ، وهي : كلّ من كلّ ، ولا بعض من كلّ ، ولا اشتمال ، وأن تكون حالا من الضمير المرفوع [في الجارّ] لوقوعه حالا ، وأن تكون حالا من الضمير المجرور في «وجوههم».
فصل في توهم الاضطراب بين بعض الآيات والجواب عنه
قال رجل لابن عباس : أليس أنه تعالى يقول : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) [الكهف : ٥٣].
وقال : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان : ١٢].
وقال : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣].
وقال : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [النحل : ١١١].
وقال حكاية عن الكفّار : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].
وأثبت لهم الرؤية ، والكلام ، والسّمع ، فكيف قال ههنا : (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا)؟.
فأجاب ابن عباس وتلامذته من وجوه :
الأول : قال ابن عباس : «عميا» : لا يرون شيئا يسرهم ، و«صمّا» : لا يسمعون شيئا يسرهم ، و«بكما» لا ينطقون بحجّة (٢).
والثاني : في رواية عطاء : «عميا» عن النّظر إلى ما جعله الله إلى أوليائه ، و«بكما» عن مخاطبة الله تعالى ، ومخاطبة الملائكة المقرّبين (٣).
الثالث : قال مقاتل : حين قال لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨] يصيرون صمّا بكما ، أما قبل ذلك ، فهم يرون ، ويسمعون ، وينطقون (٤).
الرابع : أنّهم يكونون رائين ، سامعين ، ناطقين في الموقف ، ولولا ذلك ، لما قدروا على مطالعة كتبهم ، ولا سمعوا إلزام حجة الله تعالى عليهم ، إلا أنّهم إذا ذهبوا من الموقف إلى النّار ، صاروا صمّا ، وبكما ، وعميا.
وقيل : يحشرون على هذه الصفة (٥).
قوله : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) يجوز في هذه الجملة الاستئناف ، والحالية إمّا من الضمير المنصوب ، أو المجرور.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٣٧٨) ومسلم (٤ / ٢١٦١) من حديث أنس بن مالك.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ٥١).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : الرازي (٢١ / ٥١).
(٥) ينظر : المصدر السابق.