فيهما ، ولمّا لم تكن تلك الأقوال مستندة إلى حجّة ظنيّة ؛ فضلا عن حجة يقينيّة ، لا جرم تركت تلك الروايات.
فصل في أجود ما قيل في تفسير التسع آيات
في تفسير قوله : (تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قول هو أجود ما قيل ، وهو ما روي عن صفوان بن عسّال المراديّ : أن يهوديّا قال لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع الآيات ، فقال الآخر : لا تقل : نبي ؛ فإنه لو سمع ، لصارت له أربعة أعين فأتياه ، فسألاه عن هذه الآية (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ).
فقال : هي ألّا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النّفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ ، ولا تزنوا ، ولا تأكلوا الرّبا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا بالبريء للسلطان ؛ ليقتله ، ولا تسرقوا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفرّوا من الزّحف ، وعليكم ـ خاصة اليهود ـ ألّا تعدوا في السّبت ، فقام اليهوديّان يقبّلان يده ، ويقولون : نشهد أنّك نبيّ ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قال اليهودي : إنّ داود دعا ربّه ألّا يزال في ذريّته نبيّ ، وإنّا نخاف إن اتّبعناك أن تقتلنا يهود (١).
قوله تعالى : (تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) : [يجوز في «بيّنات»] النصب صفة للعدد ، والجر صفة للمعدود.
قوله : (إِذْ جاءَهُمْ) فيه أوجه :
أحدها : أن يكون معمولا ل «آتينا» ويكون قوله (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) اعتراضا ، وتقديره : ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات ؛ إذ جاء بني إسرائيل ، فسألهم ، وعلى هذا التقدير: فليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم ، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود بقول علمائهم صدق ما ذكره الرسول صلىاللهعليهوسلم فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد.
والثاني : أنه منصوب بإضمار اذكر.
والثالث : أنه منصوب ب «يخبرونك» مقدرا.
الرابع : أنه منصوب بقول مضمر ؛ إذ التقدير : فقلنا له : سل بني إسرائيل حين جاءهم ، ذكر هذه الأوجه الزمخشري مرتبة على مقدمة ذكرها قبل [قال :] فاسأل بني إسرائيل ، أي : فقلنا له : اسأل بني إسرائيل ، أي : اسألهم عن فرعون ، وقل له : أرسل معي بني إسرائيل ، أو اسألهم عن إيمانهم ، وحال دينهم ، أو اسألهم أن يعاضدوك. ويدل عليه قراءة (٢) رسول الله «فسأل» على لفظ الماضي ، بغير همز ، وهي لغة قريش.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٣١٤٤) والنسائي (٧ / ١١١) وأحمد (٤ / ٢٣٩) والبيهقي في «الدلائل» (٦ / ٢٦٨) والطبراني (٧ / ٤٣ ، ٤٤) من حديث صفوان بن عسال.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٤٢٤ ، والقرطبي ١٠ / ٢١٨ وقد نسبها إلى ابن عباس وأبي نهيك.