والظاهر غير ذلك كلّه ، وأن المأمور بالسؤال سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبنو إسرائيل كانوا معاصريه.
والضمير [في] (إِذْ جاءَهُمْ) : إمّا للآباء ، وإمّا لهم على حذف مضاف ، أي : جاء آباءهم.
فصل في معنى «وسئل (بَنِي إِسْرائِيلَ)
المعنى : فسل ، يا محمد ، بني إسرائيل ؛ إذ جاءهم موسى ، يجوز أن يكون الخطاب معه ، والمراد غيره ، ويجوز أن يكون خاطبه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأمره بالسؤال ؛ ليتبيّن كذبهم مع قومهم ، فقال له فرعون : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً).
وقوله «مسحورا» : وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه بمعناه الأصلي ، أي : إنك سحرت ، فمن ثمّ ؛ اختل كلامك ، قال ذلك حين جاءه بما لا تهوى نفسه الخبيثة ، قاله الكلبي.
وقال ابن عباس : مخدوعا ، وقال : مصروفا عن الحقّ.
والثاني : أنه بمعنى «فاعل» كميمون ومشئوم ، أي : أنت ساحر ؛ كقوله : (حِجاباً مَسْتُوراً). فوضع المفعول موضع الفاعل ، قاله الفراء ، وأبو عبيدة ، وقال ابن جرير : يعطى علم السّحر ؛ فلذلك تأتي بالأعاجيب ، يشير لانقلاب عصاه حيّة ونحو ذلك.
قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ) : قرأ الكسائي (١) بضمّ التاء أسند الفعل لضمير موسى ـ عليهالسلام ـ أي : إنّي متحقّق أن ما جئت به هو منزّل من عند الله تعالى ، والباقون بالفتح على إسناده لضمير فرعون ، أي : أنت متحقّق أنّ ما جئت به هو منزّل من عند الله ، وإنّما كفرك عناد ، وعن عليّ ـ رضي الله عنه ـ أنه أنكر الفتح ، وقال : «ما علم عدو الله قطّ ، وإنّما علم موسى» ، [ولو علم ، لآمن ؛](٢) فبلغ ذلك ابن عباس ، فاحتجّ بقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) [النمل : ١٤] على أنّ فرعون وقومه علموا بصحّة أمر موسى.
فصل في الخلاف في أجود القراءتين
قال الزجاج : الأجود في القراءة الفتح ؛ لأنّ علم فرعون بأنّها آيات نازلة من عند الله أوكد في الاحتجاج ، واحتجاج موسى على فرعون بعلم فرعون أوكد من الاحتجاج عليه بعلم نفسه.
وأجاب من نصر قراءة عليّ عن دليل ابن عباس ، فقال قوله : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) يدلّ على أنهم استيقنوا أشياء ، فأمّا أنهم استيقنوا كون هذه الأشياء نازلة من عند
__________________
(١) ينظر : السبعة ٣٨٥ ، والحجة ٤١١ ، والتيسير ١٤١ ، والنشر ٢ / ٣٠٩ ، والإتحاف ٢ / ٢٠٦ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١٢٢.
(٢) زيادة من ب.