منقضيا فانيا ، ومن كان كذلك ، لم يقدر على كمال الإنعام في جميع الأوقات ؛ فوجب ألّا يستحقّ الحمد على الإطلاق.
وهذه الآية ردّ على اليهود في قولهم (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، وردّ على النصارى في قولهم (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣١] وعلى مشركي العرب في قولهم : «الملائكة بنات الله».
والنوع الثاني من الصفات السلبية قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ).
والسّبب في اعتبار هذه الصفة : أنّه لو كان له شريك ، فلا يعرف كونه مستحقّا للحمد والشّكر.
والنوع الثالث : قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ).
والسبب في اعتباره : أنه لو جاز عليه وليّ من الذّل ، لم يجب شكره ؛ لتجويز أن يكون غيره حمله على ذلك الإنعام.
أما إذا كان منزّها عن الولد ، وعن الشّريك ، وعن أن يكون له وليّ يلي أمره ، كان مستوجبا لأعظم أنواع الحمد والشّكر.
قوله : (مِنَ الذُّلِ) : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها صفة ل «وليّ» ، والتقدير : وليّ من أهل الذلّ ، والمراد بهم : اليهود والنصارى ؛ لأنهم أذلّ الناس.
والثاني : أنها تبعيضية.
الثالث : أنها للتعليل ، أي : من أجل الذلّ ، وإلى هذين المعنيين نحا الزمخشريّ فإنه قال : «وليّ من الذلّ : ناصر من الذلّ ، ومانع له منه ؛ لاعتزازه به ، أو لم يوال أحدا ؛ لأجل مذلّة به ؛ ليدفعها بموالاته».
وقد تقدّم الفرق بين الذّلّ والذّلّ في أول هذه السورة [الآية : ٢٤].
فصل في معنى قوله : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)
معنى قوله : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) ، أي : أنّ التمجيد يكون مقرونا بالتكبير ، والمعنى : عظّمه عن أن يكون له شريك ، أو وليّ ؛ قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «أحبّ الكلام إلى الله تعالى أربع : لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله لا يضرك بأيّهنّ بدأت» (١).
__________________
(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٦٨٥) كتاب الأدب : باب كراهية التسمية بالأسماء القبيحة ونحوه (١٢ / ٢١٣٧).
من حديث سمرة بن جندب.