ليؤمن البعض الآخر ، فمن أين أن ذلك الكتاب قيم لا عوج فيه؟ لأنه لو كان فيه عوج لما زاد على ذلك.
والثالث : قوله : «لينذر» وفيه دلالة على أنّه تعالى أراد منه صلىاللهعليهوسلم إنذار الكلّ وتبشير الكلّ ، وبتقدير أن يكون خالق الكفر والإيمان هو الله تعالى لم يبق للإنذار والتبشير فائدة ؛ لأنّه تعالى إذا خلق الإيمان حصل شاء العبد أو لم يشأ ، وإذا خلق الكفر [حصل](١) شاء العبد أو لم يشأ ، فيصير الإنذار والتبشير على الكفر والإيمان جاريا مجرى الإنذار والتبشير على كونه طويلا وقصيرا وأبيض وأسود ممّا لا قدرة للعبد عليه.
الرابع : وصفه المفسرون بأنّ المؤمنين يعملون الصالحات فإن كان خلقا لله تعالى ، فلا علم لهم به ألبتة.
الخامس : إيجابه لهم الأجر الحسن على ما عملوا ؛ فإن الله تعالى قادر بخلق ذلك فيهم ، فلا إيجاب ولا استحقاق.
المسألة الثالثة (٢) : دلّت الآية على أنّه تعالى يفعل أفعاله لأغراض صحيحة ، وذلك يبطل قول من يقول : إنّ فعله غير معلّل بالغرض (٣).
فصل
واعلم أن هذه الكلمات قد تكررت في هذا الكتاب فلا فائدة في الإعادة.
قوله تعالى : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً)(٥)
اعلم أنّ قوله : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) معطوف على قوله : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) ، والمعطوف يجب كونه مغايرا للمعطوف عليه ، فالأول عام في حقّ كلّ من استحقّ العذاب ، والثاني خاصّ بمن قال : إنّ الله اتّخذ ولدا ، والقرآن جار بأنه إذا ذكر الله قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها ؛ تنبيها على كون ذلك البعض المعطوف أعظم جزئيات ذلك الكلي [أيضا] ، كقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] فكذا هاهنا يدل على أن أعظم أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى.
فصل
واعلم أنّ المثبتين لله تعالى الولد ثلاث طوائف :
الأولى : كفار العرب الذين قالوا : الملائكة بنات الله.
الثانية : النصارى قالوا : المسيح ابن الله.
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) في الرازي : الرابعة ، وهو خطأ.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٦٥.