وقوله : (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) أي : هذا الذي يقولونه ، لا يحكم به عقلهم وفكرهم ألبتّة ؛ لكونه في غاية الفساد والبطلان ، فكأنّه يجري على لسانهم على سبيل التقليد (إِنْ يَقُولُونَ) ، أي : ما يقولون إلّا كذبا.
واختلف النّاس في حقيقة (١) الكذب ، فقيل : هو الخبر الذي لا يطابق المخبر عنه.
وقيل : قال بعضهم : يشترط علم قائله بأنّه غير مطابق.
قال ابن الخطيب (٢) : وهذا القيد (٣) عندنا باطل ؛ لأنّه تعالى وصف قولهم بإثبات الولد لله بكونه كذبا مع أن الكثير منهم يقول ذلك ، ولا يعلم كونه كذبا باطلا ، فعلمنا أن كلّ خبر لا يطابق المخبر عنه ، فهو كذب ، سواء علم القائل بكونه كذبا ، أو لم يعلم.
ويمكن أن يجاب بأنّ الله تعالى ، إنما وصف علماءهم المحرّفين للكلم عن مواضعه ، ودخل المقلّدون على سبيل التّبع عليه.
فصل في الرد على النظّام
احتجّ النظّام على أنّ الكلام جسم بهذه (٤) الآية ، قال : لأنّه تعالى وصف الكلمة بأنّها تخرج من أفواههم ، والخروج عبارة عن الحركة ، والحركة لا تصحّ إلّا على الأجسام ، وأجيب : بأنّ الحروف والأصوات إنّما تحدث بسبب خروج النفس من الحلق ، فلما كان خروج النّفس سببا لحدوث الكلمة ، أطلق لفظ الخروج على الكلمة.
قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٦)
والمقصود منه أنّه قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يعظم حزنك وأسفك (٥) ؛ بسبب كفرهم ؛ فإنّا بعثناك منذرا ومبشّرا ، فأما تحصيل الإيمان في قلوبهم ، فلا قدرة لك عليه ، والغرض منه تسلية الرّسول صلىاللهعليهوسلم.
ومعنى : (باخِعٌ نَفْسَكَ) أي : قاتل نفسك.
قال الليث : بخع الرّجل نفسه إذا قتلها غيظا من شدّة وجده ، والفاء في قوله : (فلعلّك) قيل : جواب الشرط ، وهو قوله : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) قدم عليه ، ومعناه التأخير.
وقال الجمهور : جواب الشرط محذوف لدلالة قوله : «فلعلّك».
و«لعلّك» قيل : للإشفاق على بابها. وقيل : للاستفهام ، وهو رأي الكوفيّين. وقيل : للنّهي ، أي : لا تبخع.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٦٧.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) في أ: القول.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٦٦.
(٥) في أ: إساءتك.